أنه ذراع غير ثمن من ذراع الحديد المستعمل بمصر وبمكة ، وهو شبران تقريبا ، وقد تحصلنا كما تقدم في ذرع المسجد على أربع روايات : الأولى : سبعون ذراعا في ستين أو يزيد ، والثانية : مائة ذراع في مائة ، وأنه مربع ، والثالثة : أنه أقل من مائة ذراع ، وهذا صادق بالأولى فليحمل عليها ، الرابعة : أنه بناه أولا أقل من مائة في مائة ، ثم بناه وزاد عليه مثله في الدور ، ولا يصح أن يراد بذلك الأذرع قطعا ؛ لأنها تقتضي أنه بعد البناء الثاني صار أحد امتداديه إما الطول أو العرض نحو مائتي ذراع ، والامتداد الآخر نحوها ، ولا شك أن حد مسجده صلىاللهعليهوسلم من جهة المشرق غايته الحجرة الشريفة ، فعرضه من جدارها إلى جدار المسجد الغربي ، وذرع هذا القدر اليوم بعد الزيادات المجمع عليها لا تبلغ مائة وخمسين ذراعا كما اختبرته ، بل تنقص أزيد من ستة أذرع ، وقد أجمع المؤرخون على أن عمر وعثمان رضياللهعنهما زادا في المسجد من هذه الجهة ، ثم غيرهما من الخلفاء ؛ فالظاهر أن المراد من هذه الرواية الأشبار لا الأذرع ، فيقتضي أن المسجد النبوي بعد البناء الثاني صار أحد امتداديه مائتي شبر ، والامتداد الآخر نحوها ؛ فيوافق رواية مائة ذراع في مثلها ، على أن ما ذكره المتأخرون من التحديد بالأمور الآتية يقتضي أنه لم يكن مائة ذراع ؛ فهو مقتض لترجيحهم الرواية الأولى ، وهي سبعون ذراعا في ستين ، وتكون السبعون للطول والستون للعرض.
وقد نقل النووي ذلك في منسكه عن خارجة بن زيد أحد فقهاء المدينة السبعة ، ولفظه : بنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مسجده سبعين ذراعا في ستين أو يزيد ، وهو الذي جزم به ابن النجار فقال : بنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مسجده مربعا ، وجعل قبلته إلى بيت المقدس ، وطوله سبعين ذراعا في ستين ذراعا أو يزيد ، انتهى.
هذا ، وقد قال يحيى قبيل ما جاء في حجر أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم : حدثني هارون قال : حدثنا محمد بن يحيى ـ يعني صاحب مالك ـ قال : فيما كان انتهى إلينا من ذرع مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم من القبلة إلى حده الشامي أربعة وخمسون ذراعا وثلثا ذراع ، وحده من المشرق إلى المغرب ثلاث وستون ذراعا ، يكون ذلك مكسرا ثلاثة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعين ذراعا ، انتهى.
وقال ابن النجار : اعلم أن حدود مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ أي : الذي كان في زمنه ـ من القبلة الدرابزينات التي بين الأساطين التي في قبلة الروضة ، ومن الشام الخشبتان المغروزتان في صحن المسجد ، وأما من المشرق إلى المغرب فهو من حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الأسطوان الذي بعد المنبر ، وهو آخر البلاط ، انتهى.