وقال النووي : المختار الذي عليه الجمهور أن السموات أفضل من الأرض ، وقيل : إن الأرض أشرف ؛ لأنها مستقر (١) الأنبياء ومدفنهم ، وهو ضعيف.
قلت : وكأن وجه تضعيفه للثاني أن الكلام عن مطلق الأرض ، ولا يلزم من تفضيل بعضها لكونها مدفن الأنبياء تفضيل كلها ، وضعف أيضا بأن أرواح الأنبياء في السموات والأرواح أفضل من الأجساد ، وجوابه ما سنحققه إن شاء الله تعالى من حياة الأنبياء في قبورهم ، صلوات الله وسلامه عليهم.
وقال شيخنا المحقق ابن إمام الكاملية في تفسير سورة الصف : والحق أن مواضع الأنبياء وأرواحهم أشرف من كل ما سواها من الأرض والسماء ، ومحل الخلاف في غير ذلك كما كان يقرره شيخ الإسلام البلقيني.
قال الزركشي : وتفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة للمجاورة ، ولهذا يحرم للمحدث مس جلد المصحف.
عود لتفضيل مكة أو المدينة
قال القرافي : ولما خفي هذا المعنى على بعض الفضلاء أنكر حكاية الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة ، وقال : التفضيل إنما هو بكثرة الثواب على الأعمال ، والعمل على قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم محرم ، قال : ولم يعلم أن أسباب التفضيل أعم من الثواب ، والإجماع منعقد على التفضيل بهذا الوجه لا بكثرة الثواب ، ويلزمه أن لا يكون جلد المصحف ـ بل ولا المصحف نفسه ـ أفضل من غيره لتعذر العمل فيه ، وهو خرق للإجماع.
قلت : وما ذكره من التفضيل بالمجاورة مسلّم ، لكن ما اقتضاه من عدم التفضيل لكثرة الثواب في ذلك ممنوع لما سنحققه.
كلام للعز بن عبد السلام
وأصل الإشكال لابن عبد السلام فإنه قال في أماليه : تفضيل مكة على المدينة أو عكسه معناه أن الله يرتب على العمل في إحداهما من الثواب أكثر مما يرتبه على العمل في الأخرى ؛ فيشكل قول القاضي عياض : أجمعت الأمة على أن موضع القبر الشريف أفضل ؛ إذ لا يمكن أحد أن يعبد الله فيه.
__________________
(١) مستقر الأنبياء : موطن دعوتهم في حياتهم ، ومدفنهم بها بعد وفاتهم.