وروى البيهقي حديث عائشة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ، وفيه «قال هشام : فكان المولود يولد بالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تضرعه الحمى (١)».
وقال الخطابي : كان أهل الجحفة إذ ذاك يهودا ، وقيل : إنه لم يبق أحد من أهلها إلا أخذته الحمى.
قال النووي : وهذا علم من أعلام نبوته صلىاللهعليهوسلم فإن الجحفة من يومئذ وبية ، ولا يشرب أحد من مائها إلا حم.
وبطحان : من أودية المدينة كما سيأتي ، والماء الآجن : المتغير الطعم واللون.
الوباء بالمدينة جاهلي قديم
واتفق أهل الأخبار أن الوباء بالمدينة كان شديدا ، حتى روى ابن إسحاق عن هشام بن عروة قال : كان وباؤها معروفا في الجاهلية ، وكان الإنسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها قيل له : انهق ، فينهق كما ينهق الحمار.
وفي دلائل النبوة من طريق هشام عن أبيه عن عائشة قالت : «قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة وهي أوبأ أرض الله ، وواديها بطحان نجل يجري عليه الأثل» قال هشام : وكان وباؤها معروفا في الجاهلية ، وكان إذا كان الوادي وبيا فأشرف عليه الإنسان قيل له : انهق نهيق الحمار ، فإذا فعل ذلك لم يضره وباء ذلك الوادي ، قال الشاعر حين أشرف على المدينة :
لعمري لئن عشّرت من خيفة الرّدى |
|
نهيق الحمار إنني لجزوع |
قالت عائشة : فاشتكى أبو بكر ، الحديث.
ثنية الوداع
وروى ابن شبة عن عامر بن جابر قال : كان لا يدخل المدينة أحد إلا من طريق واحد ، من ثنية الوداع ، فإن لم يعشّر بها ـ أي : ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد ـ مات قبل أن يخرج منها ، فإذا وقف على الثنية قيل : قد ودع ، فسميت ثنية الوداع ، حتى قدم عروة بن الورد العبسي ، فقيل له : عشر بها ، فلم يعشر ، وأنشأ يقول :
لعمري لئن عشّرت من خشية الردى |
|
نهاق الحمار إنني لجزوع |
ثم دخل فقال : يا معشر يهود ، ما لكم وللتعشير؟ قالوا : إنه لا يدخلها أحد من غير أهلها فلم يعشّر بها إلا مات ، ولا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع إلا قتله الهزال ، فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية.
__________________
(١) أضرعته الحمّى : أوهنته.