الاستشفاء بتراب صعيب
وروى ابن رزين أيضا عن ابن عمر نحوه ، إلا أنه قال : «فمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده فأماطه عن وجهه ، وقال : أما علمت أن عجوة المدينة شفاء من السقم ، وغبارها شفاء من الجذام» ورواه ابن زبالة مختصرا عن صيفي بن أبي عامر ، ولفظه «والذي نفسي بيده إن تربتها لمؤمنة ، وإنها شفاء من الجذام» وروي أيضا عن أبي سلمة : بلغني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «غبار المدينة يطفي الجذام». قلت : وقد رأينا من استشفى بغبارها من الجذام ، وكان قد أضرّ به كثيرا ؛ فصار يخرج إلى الكومة البيضاء ببطحان بطريق قباء ويتمرغ بها ويتخذ منها في مرقده ، فنفعه ذلك جدّا. وروى ابن زبالة ويحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وابن النجار كلاهما من طريقه «أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتى بلحارث ، فإذا هم روبى (١) ، فقال : ما لكم يا بني الحارث روبى؟ قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال : فأين أنتم عن صعيب؟ قالوا : يا رسول الله ما نصنع به؟ قال : تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تراب أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا ، ففعلوا ، فتركتهم الحمى» قال ابن النجار عقبه : قال أبو القاسم طاهر بن يحيى العلوي : صعيب : وادي بطحان دون الماجشونية ، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه ، وهو اليوم إذا وبأ إنسان أخذ منه. قلت : قد رأيت ذلك في نسخة كتاب يحيى التي رواها ابنه طاهر بن يحيى عنه ، والماجشونية هي الحديقة المعروفة اليوم بالمدشونية ، وقال ابن النجار عقبه : وقد رأيت أنا هذه الحفرة اليوم ، والناس يأخذون منها ، وذكروا أنهم قد جربوه فوجدوه صحيحا ، قال :وأخذت أنا منه أيضا. قلت : وهذه الحفرة موجودة اليوم ، مشهورة سلفا عن خلف ، يأخذ الناس منها وينقلونه للتداوي ، وقد بعثت منها لبعض الأصحاب أخذا مما ذكروه في أخذ نبات الحرم للتداوي ، ثم رأيت الزركشي قد قال : ينبغي أن يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضياللهعنه ؛ لإطباق السلف والخلف على نقلها للتداوي من الصداع ، فقلت عند الوقوف عليه : أين هو من تراب صعيب لما قدمناه فيه؟ بخلاف ما ذكره إذ لا أصل له ، وذكر المجد أن جماعة من العلماء ذكروا أنهم جربوا تراب صعيب للحمى فوجدوه صحيحا ، قال : وأنا بنفسي سقيته غلاما لي مريضا من نحو سنة تواظبه الحمى ، فانقطعت عنه من يومه ، وذكر المجد أيضا في موضع آخر كيفية الاستشفاء به أنه يجعل في الماء ويغتسل به ، وكذا ذكره الجمال المطري عند ذكر صعيب فقال : وفيه حفرة يؤخذ من ترابها ويجعل في الماء ويغتسل به من الحمى. قلت : فينبغي أن يجعل في الماء ثم يتفل عليه ، وتقال الرقية الواردة ، ثم يجمع بين الشرب والغسل منه ، ويستأنس للغسل بما رويناه عن جزء وأبي مسعود بن
__________________
(١) روبى : (ج) روبان : من فترت نفسه من نعاس ومرض ، فاختلط عقله ورأيه من شدة الإعياء.