يبدؤون بالمدينة ، وفي المناسك الكبير للإمام أحمد رواية ابنه عنه : سئل عمن يبدأ بالمدينة قبل مكة ، فذكر بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد قالوا : إذا أردت مكة فلا تبدأ بالمدينة وابدأ بمكة ، فإذا قضيت حجك فامرر بالمدينة إن شئت ، وعن إبراهيم النخعي ومجاهد : إذا أردت مكة للحج والعمرة فاجعل كل شيء لها تبعا ، ثم روى أن نفرا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا يبدؤون بالمدينة إذا حجوا ، يقولون : نبدأ من حيث أحرم رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قلت : وهذا أرجح ؛ لتفضيل ميقات المدينة ، وإتيان المدينة أولا وصلة إليه ، مع ما فيه من البداءة بزيارة النبي صلىاللهعليهوسلم وإيثارها ، ولعله السبب عند من بدأ بالمدينة ممن تقدم ذكره من التابعين كما قال السبكي. ونقل الزركشي عن العبدي شارح الرسالة من المالكية أنه قال : المشي إلى المدينة لزيارة قبر النبي صلىاللهعليهوسلم أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس ، انتهى. والخلاف فيما إذا لم تكن المدينة على طريقه ؛ لأن مأخذ من رجّح البداءة بمكة المبادرة إلى قضاء الفرض ، ولهذا قال الموفق ابن قدامة : قال أحمد : وإذا حج الذي لم يحج قط ـ يعني من غير طريق الشام ـ لا يأخذ على طريق المدينة ؛ لأني أخاف أن يحدث به حدث ، فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق ولا يتشاغل بغيره ، قال السبكي : وهو في العمرة متجه ؛ لإمكان فعلها متى وصل ، وأما الحج فله وقت مخصوص فإذا كان متسعا لم يفت بمروره بالمدينة شيء. قلت : ومع ذلك فهو في الفرض ، ولهذا قال في الفصول : نقل صالح وأبو طالب : إذا حج للفرض لم يمر بالمدينة ؛ لأنه إن حدث به حدث الموت كان في سبيل الحج ، وإن كان تطوعا بدأ بالمدينة ، انتهى. وممن نص على المسألة أيضا الإمام أبو حنيفة على ما نقله أبو الليث السمرقندي ، وقال : إن الأحسن البداءة بمكة.
الثمانون : اختصاص أهلها في قيام رمضان بستّ وثلاثين ركعة ، على المشهور عند الشافعية ، قال الرافعي والنووي : قال الشافعي : رأيت أهل المدينة يقومون بتسع وثلاثين ركعة ، منها ثلاث للوتر ، قال أصحابنا : وليس لغير أهل المدينة ذلك ؛ لشرفهم بمهاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقبره ، ثم قال الرافعي : وسبب فعل أهل المدينة ذلك أن الركعات العشرين خمس ترويحات ، وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعا ، ويصلون ركعتي الطواف أفرادا ، وكانوا لا يفعلون ذلك بين الفريضة والتراويح ولا بين التراويح والوتر ، فأراد أهل المدينة أن يساووهم في الفضيلة ، فجعلوا مكان كل أسبوع ـ أي : مع كل ركعتيه ـ ترويحة ؛ فحصل أربع ترويحات هي ستة عشر ركعة ، انتهى.
ونقل الروياني في البحر هذا السبب عن الشافعي. وقال القاضي أبو الطيب الطبري :