ما يصنع بالحبالى ، وكيف يعذبهنّ حتى يطرحن ما في بطونهن ، فيوشك أن يفني بني إسرائيل ويستأصلهم ، فنصير نحن بغير خدم ، وتصير الأعمال التي كانوا يكفوناها في أعناقنا ، وإنّما بنو إسرائيل خدمنا وخولنا ، فانطلقوا بنا إلى الملك حتى نشير عليه برأينا ، فانطلقوا حتى دخلوا على فرعون ، فقالوا : أيها الملك ، قد أفنيت بني إسرائيل ، وقطعت النسل ، وإنّما هم خدمك وهم لك خول طائعون ، فاستبقهم لذلك ومر أن يرفع عنهم الذبح عاما أو عامين حتى يشبّ الصغار ، فأمر فرعون أن يذبحوا عاما ويستحيوا عاما ، فحملت أم موسى بهارون بن عمران في السنة التي لا يذبح فيها الغلمان ، فولدت هارون بن عمران علانية ، آمنة من الذبح ، حتى إذا كان العام القابل الذي يذبح فيه الغلمان حملت بموسى ، فوقع في قلب أم موسى الهمّ والحزن من أجل موسى ، تخشى عليه كيد فرعون ، وكان هارون أكبر من موسى عليهماالسلام.
قال : وأنا إسحاق ، أخبرني ابن سمعان ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس قال :
إن أم موسى ما تقارب ولادها وكانت قابلة من القوابل التي وكّلهنّ فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى ، فلما ضربها الطّلق أرسلت إليها فقالت : قد ترين ما نزل بي ، ولينفعني حبك إياي اليوم ، قالت : فعالجت قبالها فلمّا أن وقع موسى بالأرض هالها نور بين عيني موسى ، فارتعش كلّ مفصل منها ، ودخل حبّ موسى في قلبها (١) ، ثم قالت لها : يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلّا ومن رأيي (٢) أن أقتل مولودك وأخبر فرعون ، ولكن قد وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حبّ شيء مثل حبه ، فاحفظي ابنك ، فإني أراه هو عدونا ، فلمّا خرجت من عندها وحراس فرعون وعيونه على القوابل ينظرون أين يدخلن وأين يخرجن ، فإن وجدوا قابلة تداهن (٣) أو تكتم ، واطلعوا (٤) على ذلك منها قتلوها والمولود ، فلمّا خرجت القابلة من عند أم موسى أبصرها بعض العيون ، فجاء إلى بابها ليدخلوا على أم موسى ، وكانت أخت موسى قد سجرت تنّورها لتختبز ، فسمعت الجلبة بالباب ، فقال : يا أمتاه! هذا الحرس بالباب ، فلفت موسى في خرقة ، ثم سوّلت لها نفسها فوضعته في التنور وهو مسجور ، وطاش عقلها ، فلم تعقل ما تصنع خوفا على موسى ، وكان ذلك إلهاما من الله لما أراد بعبده موسى ، قال : فدخلوا ، فإذا التنور مسجور ، وإذا أم موسى لم يتغير لها لون ،
__________________
(١) أقحم بعدها بالأصل : «فلما أن وقع موسى بالأرض».
(٢) في المختصر : رآني.
(٣) من المداهنة أي إظهار خلاف ما يضمر ، كالادهان والغش (القاموس المحيط).
(٤) الأصل ود ، و «ز» ، وم : فاطلعوا.