النجّار إلى موضعه ردّ الله عليه لسانه فتكلم ، فانطلق أيضا يريد الأمناء ، فأتاهم ليخبرهم ، فأخذ الله لسانه وبصره ، فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئا ، فضربوه وأخرجوه من عندهم لا يبصر شيئا ، فوقع في وادي (١) يهوي فيه حيران ، فجعل لله إن ردّ عليه لسانه وبصره أن لا يدلّ عليه ، وأن يكون معه يحفظه حيث ما (٢) كان ، فعرف الله منه الصدق ، فردّ الله عليه بصره ولسانه ، فخرّ لله ساجدا قال : يا ربّ ، دلني على هذا العبد الصالح ، فدلّه الله عليه ، فخرج من الوادي ، فآمن به وصدّق به (٣) وعلم أن ذلك من الله.
وانطلقت (٤) أم موسى بالتابوت إلى منزلها ، فمهدت فيه لموسى ، ثم لفّته في الخرق ، ثم أدخلته التابوت ، فأطبقت عليه ، فنظرت السحرة والكهنة إلى نجم موسى ، فإذا نجمه ورزقه قد غاص في الأرض ، وخفي عليهم نجمه ، وذلك حين أدخلته أمّه في التابوت ، فخفي ذلك على الكهنة ، فلما أبصروا ذلك فرحوا فرحا شديدا ورفعوا أصواتهم بالغناء والزفن (٥) ، فأسرعوا البشارة إلى فرعون ، وهم يظنون أنهم قد ظفروا بحاجتهم ، وأنّ موسى قد قتل فيمن قتل من ولدان بني إسرائيل ، فقالوا : أيها الملك ، إن نجم المولود الذي تحذر منه غاص في الأرض ، وذهب رزقه ، قال : ففرح فرعون فرحا شديدا ، وذهب عنه الغمّ ، وظنّ أنه قد استراح منه ، قال : فأمر للكهنة والسحرة بالجوائز والكسوة ، ثم أمر بالجهاز والخروج من الإسكندرية ، وكان لفرعون يومئذ ابنة لم يكن له ولد غيرها ، وكانت من أكرم الناس عليه ، وكان لها كلّ يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون ، وكان بها برص شديد ، مسلّخة برصا ، وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة ، فنظروا في أمرها فقالوا : أيها الملك ، إنّها لا تبرأ إلّا من قبل البحر ، يؤخذ منه شيء شبه الإنسان ، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا وكذا ، حين تشرق الشمس ، فلمّا كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ، ومعه آسية امرأته ابنة مزاحم ينظرون إلى النيل ، وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل ، فبينا هي كذلك مع جواريها تنضح الماء على وجوههنّ وتلاعبهنّ قال : وعمدت أم موسى إلى التابوت ، فقذفته في النيل ، قال :
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، ود ، وم : وادي ، بإثبات الياء.
(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم : «حيث ما» والوجه : حيثما.
(٣) الأصل : وصدقه ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.
(٤) الأصل ود ، و «ز» ، وم : فانطلقت.
(٥) الزفن ، يقال زفن يزفن زفنا : رقص ولعب (تاج العروس).