قال : المراضع ، فجعل لا يقبل حلمة امرأة ، فكبر ذلك على امرأة فرعون ، فقالوا لها : ارسلي إلى نساء بني إسرائيل التي قتل أولادهن لعلك تجدين من يقبل هذا الصبي ثديها منهن ، فأرسلت ، فجعلت تعرضهن على موسى مرضعا بعد مرضع ، فلم يقبل منهن شيئا حتى أشفقت آسية أن يمتنع من الرضاع فيهلك لقول الله فيما يقص من خبره وخبر أمته حين بصرت به عن جنب : (فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ)(١) يعني لموسى لما رأت مما يصنع بموسى ، وحبهم إياه ، وكان الله ألقى له المحبة من الناس ، فلم يره أحد إلّا أحبه ، قال : فأخذوها فقالوا لها : ما تكونين من هذا الغلام ، هل تعرفينه؟ وما نصح أهل ذلك البيت له ، وشفقتهم عليه ، وذلك أن الفرح استخفها ، وأذهب ذهنها حين رأت من كرامة موسى عليهم فبادهتهم بهذا القول حتى شكوا في أمرها ، فقالت لهم أخت موسى : نصحهم له ، وشفقتهم عليه ، لمنزلة هذا الغلام منكم ، ورغبتهم في إطاره (٢) الملك ، ورجاء منفعة هذا الغلام بعد اليوم ، فتركوها ، فانطلقت مسرعة إلى أمها ، فأخبرتها الخبر ، وما عاينت ، وما سمعت منهم ، فانطلقت ، أم موسى حتى انتهت إليهم متنكرة ، فقالت لهم : هل تريدون ظئرا؟ قالوا : نعم ، فناولوها موسى ، فوضعته في حجرها ، فلما أن شمّ ريح أمه عرفها ، فوثب إلى ثدي أمه ، فمصه حتى روي.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النقور ، أنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد الأسدي الأكفاني ، أنا محمد بن مخلد العطار ، نا زكريا بن يحيى بن الحارث بن ميمون البصري ، نا بشر بن عمر ، نا شعبة ، نا أبو إسحاق عن ابن عباس في قوله : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) قال : من كل شيء إلّا من ذكر موسى. قال شعبة : فذكرته لمنصور بن زاذان ، فقال : كان الحسن (٣) يقول مثل ذلك.
أنبأنا أبو تراب الأنصاري ، وأبو الوحش بن المسلم قالا : نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن بن رزقويه (٤) ، أنا أبو بكر الحداد ، أنا الحسن القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر قال : وأخبرني مقاتل عن قتادة عن الحسن أن موسى كان قبل أن يرد إلى أمه
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ١٢.
(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم : «اطاره» وفي البداية والنهاية : «رغبة في صهر الملك». وفي الكامل لابن الأثير : «رغبتهم في قضاء حاجة الملك».
(٣) تحرفت في م إلى : الحسين.
(٤) تحرفت بالأصل إلى : زرقويه.