إسرائيل في كنف موسى كل الامتناع ، فلما اشتد عليهم أمر موسى نصبوا له العداوة في كلّ نواحي المدينة ليقتلوه ، فصار من أمر موسى لا يدخل المدينة إلّا خائفا مستخفيا ، قال : فبينا موسى ذات يوم وهو داخل (الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها)(١) يعني : عند الظهيرة (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ، هذا مِنْ شِيعَتِهِ) ـ يعني ـ من شيعة موسى ، والآخر (مِنْ عَدُوِّهِ) ـ يعني ـ من آل فرعون ، كافرا ، (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ) هو الإسرائيلي (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) ـ يعني ـ به القبطي ، وكان موسى أوتي بسيطة (٢) في الخلق وشدّة في القوة ، فدنا موسى منهما ، فإذا هو بالفتى المؤمن الذي كان عاهده موسى وأفشى إليه سره ، وقد تعلّق به عظيم من عظماء الفراعنة ، يريد أن يدخله على فرعون ، فقال له موسى : ويحك ، خلّ سبيله ، قال له الفرعوني : هل تعلم يا موسى أنّ هذا الفتى سبّ سيّدنا فرعون؟ فقال له موسى : كذبت يا خبيث ، بل السيّد الله ، ولعنة الله على فرعون وعمله ، فلمّا سمع الفرعوني كلام موسى ، ترك الفتى وتعلق بموسى وزعم أن يدخله على فرعون ، فنازعه موسى فلم يخلّ عنه ، (فَوَكَزَهُ مُوسى)(٣) وكزة على قلبه (فَقَضى عَلَيْهِ) ـ يعني ـ فمات ولم يكن يريد قتله ، وليس يراهما إلّا الله والفتى الإسرائيلي الذي كان من شيعة موسى ، فقال موسى حين قتل الرجل : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ـ يعني ـ من تدبير (٤) الشيطان ، (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ، قالَ : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي)(٥).
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنا أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر ، أنا أبو بكر ، نا محمّد بن أحمد بن حمّاد ، نا إبراهيم بن مرزوق ، نا مسلم بن إبراهيم ، عن جعفر بن سليمان ، نا شيخ من أهل صنعاء يقال له عمران أبو الهذيل قال : سمعت وهب بن منبّه يقول :
بلغنا أن الله قال لموسى : وعزّتي يا موسى لو أنّ النّفس التي قتلت أقرت بي طرفة عين ، أني لها خالق أو رازق لأذقتك فيها طعم العذاب ، وإنّما عفوت (٦) عنك أنها لم تقرّ بي طرفة عين أنّي لها خالق أو رازق.
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ١٥.
(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم : «بسيطة» وفي المختصر : بسطة.
(٣) وكزه ، قال مجاهد أي طعنه بجمع كفه ، وقال قتادة : بعصا كانت معه (البداية والنهاية ١ / ٢٧٨).
(٤) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي المختصر : تزيين.
(٥) سورة القصص ، الآية : ١٦.
(٦) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وفي م : غفرت.