إنك أنت الذي نرجوه ، ولكنك من فرعون بمنزلة ، وهو يحبّك حبّا شديدا ، فقال له موسى : وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلها واحدا ، لا أحلف بعزّة فرعون المخلوق الضعيف ، إلّا ما أخبرتني الخبر كله ، قال : فقال له الفتى : يا موسى ، أشهد بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط أنك أنت الذي نرجو وننتظر أن يهلك الله عدونا على يده ، ويفرّج الله عنّا به ، قال له موسى : وإله بني إسرائيل إنّي لأحبكم حب الوالدة لولدها ، وحبّ الأخ لأخيه ، ولا يغرّنكم حب فرعون إياي ، فإن أكن أنا ذاك أو غيري ، قال : فلم يزل موسى يتآلفهم ويتألّف بهم ويجلس إليهم ، ويتحدّث معهم ، حتى صار موسى أحبّ إليهم من آبائهم وأمهاتهم ، حتى أنهم صاروا إذا فقدوا موسى ساعة واحدة صاروا كالغنم لا راعي لها ، ثم إنّ موسى وأخاه (١) ذلك الرجل في الله ، وجرت بينهما المودة ، ثم إنه خلا به موسى وذلك لما أراد الله بذلك الفتى من السعادة ، فأفشى إليه موسى سرّه وما هو عليه من دينه ، وأخذ عليه عهد الله وميثاقه أن لا يخبر به أحدا حتى يظهر الله ذلك الأمر ، فحلف الفتى بإله بني إسرائيل ليجتهدن في الأمر ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ولو أحرقت بالنار.
فأنبت الله موسى نباتا حسنا حتى (بَلَغَ أَشُدَّهُ)(٢) ، فآتاه الله (حُكْماً)(٣) (وَعِلْماً) ـ يعني ـ فهما في دينه ودين آبائه وشرائعهم وصار لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه يقتدون (٤) برأيه ، ويجتمعون إليه ، فلما عرف ما هو عليه من الحقّ ، واستبان له ما هو عليه من أمر فرعون وما هو عليه من الباطل ، وعرف عداوته له ولبني إسرائيل علم أنّ فراق فرعون خير له في دينه ودنياه وآخرته ، فتكلم موسى بالحق وعاب المنكر ، ولم يرض بالباطل والظلم والإشراك بالله حتى ذكر (٥) ذلك منه في مدينة مصر وما صنع بأهلها ، وحتى علموا أن دينه ورأيه مخالف لدينهم ، فلما اشتدّ عليهم أمر موسى رفعوا أمره إلى فرعون ، فأمرهم فرعون أن لا يعرضوا له إلّا بخير ، ونهاهم عنه حتى صار من أمر (٦) أهل مصر أنهم خافوا موسى خوفا شديدا ، وكان لا يلقى موسى أحدا منهم إلّا هربوا منه حتى لا يستطيع أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل ، ولا يصل إلى ظلمه ولا يسخّره قال : وحتى امتنعت بنو
__________________
(١) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم.
(٢) سورة القصص ، الآية : ١٤.
(٣) بالأصل ود ، و «ز» : «حلما» وفي م : علما وعلما.
(٤) الأصل ود ، و «ز» ، وم : يعبدون ، والمثبت عن المختصر.
(٥) كتبت فوق الكلام بالأصل ، ولم تتضح لي قراءتها ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.
(٦) بالأصل : «أهل أمر» وفوقهما علامتا تقديم وتأخير.