ابن عبّاس : أضلوا الطريق وكانوا شاتين ، فلمّا رأى النار قال : (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(١) أهتدي به إلى الطريق ، فإن لم أجد أحدا يهديني (٢) أتيتكم بنار تستدفئون بها.
أخبرنا أبو الوحش سبيع بن المسلم ، وأبو تراب حيدرة بن أحمد ـ إذنا ـ قالا : أنا أبو بكر الخطيب ـ لفظا ـ نا محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنا أحمد بن سندي ، أنا الحسن بن علي القطّان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنا أبو إلياس عن وهب بن منبّه قال : خرج موسى ومعه أهله يؤم الشام ، وأكبر همّه طلب أخيه هارون وأخته مويم ، وهما يومئذ بأرض مصر في مملكة فرعون ، وليس لموسى همّ أكبر منهما والاجتماع جميعا للخروج من أرض مصر إن استطاع إلى ذلك سبيلا ، فسار في البرية غير عارف بطرقها ولا بمعالمها ، غير أنه يؤم الغرب ويدع الشرق ، ويرى أنه الوجه إلى أرض مصر ، فلم يزل كذلك حتى ألجأه المسير إلى جانب الطور الأيمن في البقعة المباركة ، في عشية شاتية شديدة البرد ، ذات رياح ومطر وجليد ، فنزل إلى جانب الطور حين أمسى ، وجنّه الليل ، واشتدّ عليه البرد والظلمة ، فعمد إلى زنده فقدحها فلم تنوّر شيئا وعسر عليه مما أصابه من النداوة ، وذلك من تقدير الله ، ثم أعاد الثانية فلم تنوّر شيئا ولم تزد إلّا نداوة ، قال : وكان عهده أنّ زنده (٣) لا يقدح بها إلّا مرة حتى تنوّر فيها النار ، فلمّا أيس منه تركه.
قال : وأنا إسحاق ، حدّثني محمّد بن إسحاق ، حدّثني من لا أتّهم أن كعبا قال : إن موسى لما فصل من أرض مدين لم يخرج معه إلّا أهله وغنمه وزنده وعصاه ، وكانت عصاه كما وصف لي أنها كانت ذات شعبتين في رأسها محجن (٤) ، وفي أصلها زجّ (٥).
قال : وأنا إسحاق ، أنا خارجة بن مصعب ، عن إدريس ابن بنت وهب قال : سمعت وهب بن منبّه وهو يقول :
لما عمد موسى عليهالسلام نحو النار التي رأى انطلق يؤمها ، فلمّا انتهى إليها إذا هو بنار عظيمة تتوقد من فرع شجرة خضراء ، شديدة الخضرة يقال لها : العلّيق لا تزداد النار فيما
__________________
(١) سورة طه ، الآية : ١٠.
(٢) الأصل : يهدني ، والمثبت عن د ، و «ز».
(٣) الزند : العود الذي يقدح به النار (القاموس).
(٤) المحجن كمنبر العصا المعوجة ، وكل معطوف معوج (القاموس).
(٥) الزج : بالضم طرف المرفق ، والحديدة في أسفل الرمح ، ونصل السهم (القاموس).