في كل فنّ من العلوم ، فقلت لهم : إلى من تميلون في النحو؟ فقالوا : إلى سيبويه. قال محمد : فأخبرت بهذا الحديث ثعلبا بحضرة أبي موسى الحامض ، فغضب الحامض ثم قال : قد صدق ، إنما سيبويه دجّال شيطان ، فلذلك تميل إليه الجنّ. فأسكته أبو العباس ثعلب. قال أبو الطيّب : وقد رأيت أنا أجزاء كثيرة من كتاب سيبويه خمسين مرّة. وكان ابن كيسان مع هذا يختار أشياء من مذاهب الفراء يخالف فيها سيبويه.
أخبرنا محمد بن يحيى قال : كان ابن كيسان يسأل أبا العباس محمد بن يزيد المبرّد عن مسائل فيجيبه ، فيعارضها بقول الكوفيين ، فيقول : في هذا على من قاله كذا ، ويلزمه كذا. فإذا رضي قال له : قد بقي عليك شيء ، لم لا تقول كذا؟ فقال له يوما وقد لزم قولا للكوفيين ولجّ فيه : أنت كما قال جرير (١) :
أسلّيك عن زيد لتسلي وقد أرى |
|
بعينيك من زيد قذى غير بارح |
إذا ذكرت زيدا ترقرق دمعها |
|
بمطروفة العينين شوساء طامح (٢) |
تبكّي على زيد ولم تر مثله |
|
براء من الحمّى صحيح الجوانح |
فإن تقصدي فالقصد منك سجية |
|
وإن تجمحي تلقي لجام الجوامح (٣) |
وكان الفراء يخالف على الكسائيّ في كثير من مذاهبه ، فأمّا على مذاهب سيبويه فإن يتعمّد خلافه ؛ حتى ألقاب الإعراب وتسمية الحروف.
ومات الفرّاء في طريق مكّة سنة سبع ومائتين.
__________________
(١) ديوانه ١٠٥ مع اختلاف في الرواية وترتيب الأبيات. قال أبو عبيدة : كان جرير اشترى جارية من زيد بن النجار ؛ مولى لبني حنيفة ففركت جريرا ، وجعلت دمعتها لا ترفأ بكاء على زيد وحبّا له ، فقال جرير هذا الشعر.
(٢) الشوساء : رافعة الرأس ، والطامح : التي تبغي غير زوجها.
(٣) في شرح الديوان «قيل لجرير : ما لجام الجوامح؟ قال : هذاك ـ وأشار إلى سوط معلق.