سنّه (١) حتى اختلّ حفظه ولم يختلّ عقله ، فأخبرنا عبد القدوس بن أحمد قال : أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكّري قال : أخبرنا الرياشيّ قال : أتيت (٢) أبا زيد معي كتابه في الشّجر والكلأ ، فقلت له : أقرأ عليك هذا؟ فقال : لا تقرأه عليّ فإني قد أنسيته.
أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرونا عن أبي حاتم قال : قلت لأبي زيد : نسأ الله في أجلك ؛ فقال : يا بنيّ ، ما النّسء بعد ثمانين!
وكان أبو زيد جميل الخلق محبّبا ، فأخبرني محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن يزيد قال : كان أبو زيد الأنصاريّ يلقّب الناس ، فلقّب الجرميّ بالكلب لجدله واحمرار عينيه. ولقّب المازنيّ تدرج (٣) ؛ لأن مشيته كانت تشبه مشية التّدرج ، ولقّب أبا حاتم رأس البغل لكبر رأسه ، ولقّب التوّزيّ أبا الوزواز (٤) لخفّة حركته وذكائه ، ولقّب الزياديّ طارقا لأنه كان يأتيه بليل (٥).
ومن جلالة أبي زيد في اللّغة ما حدّثنا به جعفر بن محمد قال : حدّثنا محمد بن الحسن الأزديّ ، عن أبي حاتم ، عن أبي زيد ، قال : كتب رجل من أهل رامهرمز يقال له علاوة إلى الخليل بن أحمد يسأله : كيف يقال : ما أوقفك هاهنا؟ ومن أوقفك؟ فكتب إليه : هما واحد. قال أبو زيد : ثم لقيني الخليل فقال لي في ذلك ، فقلت له : لا (٦) ؛ إنّما يقال : من وقفك وما أوقفك؟ قال : فرجع إلى قولي.
قال : أبو الطيّب اللغويّ : وأما الأصمعيّ فإنه يأبى فيهما جميعا إلا «وقفك» بغير ألف. قال : وسمعت أبا عمرو يقول : لو قلت : ما أوقفك هاهنا؟ أي ما عرّضك للوقوف؟ كان صوابا.
وقارب أبو زيد في سنّه مائة سنة ، ومات سنة خمس عشرة ومائتين ، ذكر ذلك المازنيّ.
__________________
(١) السن مؤنثة ، وفي الأصل «وكبر».
(٢) «رأيت».
(٣) التدرج : طائر كالجراد يغرد في البساتين بأصوات طيبة ، يسمن عند صفاء الهواء وهبوب الشمال ، ويهزل عند كدورته وهبوب الجنوب ، يتخذ داره في التراب اللين ، ويضع البيض فيها لئلا يتعرض للآفات. (حياة الحيوان للدميري ١ / ٢٠٣).
(٤) الوزواز : طائر ضعيف الحركة.
(٥) خ : «ليلا».
(٦) نسخة ابن نوبخت بإسقاط : «لا».