والخليل بن أحمد ومن أخذ عنهما ؛ وهكذا ؛ وسبيله فيما أورد السند والرواية.
ومؤلف كتاب مراتب النحويين هو عبد الواحد بن عليّ أبو الطيّب اللغوي ، ولد في عسكر مكرم ـ وهي بلدة مشهورة في نواحي خوزستان ؛ نشأ فيها كثير من الفضلاء والعلماء ؛ ومنها العسكريان : أبو أحمد صاحب كتاب شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ، وأبو هلال صاحب كتابي الصناعتين وجمهرة الأمثال ؛ وإلى علمائها كانت تشد الرحال ، ويقصدون من شتى الجهات ـ ونشأ فيها ؛ وحذق النحو واللغة ، ثم رحل إلى بغداد ؛ فأخذ عن أسنادها ، وروى عن أثباتها ؛ وكان ممن روى عنهم محمد بن يحيى الصولي وأبو عمر الزاهد ؛ أخذ عنه كتاب الفصيح لثعلب ، وإصلاح المنطق لابن السكيت ، والنوادر لأبي عمرو الشيبانيّ وغيرها ، وفيها ألف بعض كتبه ؛ منها كتاب الإتباع ؛ الذي أعجب به البغداديون ؛ وتداولوه فيما بينهم.
وكانت مدينة حلب في القرن الرابع من أزهر الحواضر الإسلامية ؛ وأحفلها بالعلماء والشعراء والأدباء ؛ وكان أميرها سيف الدولة من أعظم ملوك العرب شأنا ، وأعلاهم في العلوم والآداب كعبا ، وأوسعهم في المكرمات باعا ؛ فاجتذب إلى حلب أعيان الأدب واللغة والشعر ؛ كالمتنبي والوأواء والنامي والرفاء وابن خالويه والفارابي وكشاجم ؛ فكان منهم أبو الطيّب اللغوي ، وهناك ازدهر علمه ، وبان فضله ، وفيها أيضا قامت الخصومة بينه وبين ابن خالويه ، وذكت المنافسة ، ولكنه كان صاحب السبق والتقدم.
قال ابن القارح : «حدثني أبو عليّ الصقلي بدمشق قال : كنت في مجلس ابن خالويه إذ وردت عليه من سيف الدولة مسائل تتعلق باللغة ، فاضطرب لها ، ودخل خزانته ، وأخرج منها كتب اللغة وفرّقها على أصحابه يفتشونها ليجيب عنها ، وتركته وذهبت إلى أبي الطيّب اللغوي وهو جالس ، وقد وردت عليه المسائل بعينها وبيده قلم الحمرة ؛ فأجاب به ولم يغيّره ؛ قدرة على الجواب (١)».
وقد ذكر أبو العلاء المعرّي (٢) أنه كان يتعاطى شيئا من النظم ؛ وله شيء منه في كتاب المراتب ؛ ولكنه نظم ضعيف.
وظل في حلب إلى أن كانت ليلة الثلاثاء لثمان بقين من ذي القعدة سنة
__________________
(١) رسالة ابن القارح ٢٨.
(٢) رسالة الغفران ٥١٢.