قال : قوله : «ظلم» ، ومعنى «مصابكم» إصابتكم ، قال : صدقت ، من خلفت وراءك؟ قال : بنتا صغيرة. قال : فماذا قالت لك حين ودّعتها؟ قال : قول بنت الأعشى لأبيها :
فيا أبتا لا ترم عندنا |
|
فإنّا بخير إذا لم ترم (١) |
ترانا إذا أضمرتك البلا |
|
د نجفى ، ويقطع منا الرّحم |
قال : فماذا أجبتها؟ قال : بقول جرير :
ثقي بالله ليس له شريك |
|
ومن عند الخليفة بالنّجاح (٢) |
قال : أنجحت ؛ وأمر له بمال ولا بنته بما يصلحها وصرفه مكرّما.
وقد شجر بين محمد بن عبد الملك الزيات (٣) وأحمد بن أبي داود (٤) في هذا البيت الذي غلط فيه الواثق ، فقال محمد : «إن مصابكم رجلا». وقال أحمد : «مصابكم رجل». فسألا عنه يعقوب بن السكّيت ، فحكم لأحمد بن أبي داود ؛ عصبيّة لا جهلا.
فأخبرونا عن ثعلب قال : لقيت يعقوب فعاتبته في هذا عتابا ممضّا ، فقال لي : اسمع عذري ، جاءني رسول ابن أبي داود فمضيت إليه ، فلما رآني بشّ بي وقرّبني ورفعني ، وأحفى في المسألة عن أخباري ، ثم قال لي : يا أبا يوسف ، ما لي أرى الكسوة ناقصة؟ يا غلام ، دستا كاملا من كسوتي. قال : فأحضر ، ثم قال كيس فيه مائتا دينار. فأحضر. ثم قال لي : أراكب أنت؟ قلت : لا ، بل راجل. فقال : حماري الفلانيّ بسرجه ولجامه. فأحضر ، ثمّ قال : يسلّم الجميع إلى غلام أبي يوسف ؛ فشكرت له ذلك ، ثم قال لي : يا أبا يوسف : أنشدت هذا البيت :
أظليم إن مصابكم رجل
فقال الوزير : إنما هو «رجلا» بالنصب ؛ وقد تراضينا بك. فقلت : القول ما قلت. فخرجت من عنده فإذا رسول محمد بن عبد الملك. فقال :
__________________
(١) ديوانه ٣٣.
(٢) ديوانه ٣٦.
(٣) هو محمد بن عبد الملك بن أبان ، المعروف بابن الزيات ؛ كان وزير المعتصم ؛ وله شعر سائر جيد ؛ وديوان رسائل. توفي سنة ٢٣٣ (خلكان ٢ / ٥٤).
(٤) قاضي المعتصم : توفي سنة ٢٤٠ ، (ابن خلكان ١ / ٢٢).