ثمَّ إنَّ أُمّه قالت لابيه : لو أذنت لي حتّى أذهب إلى ذلك الصبيِّ فأراه فعلت ، قال : فافعلي ، فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليهالسلام وإذا عيناه تزهران كأنّهما سراجان ، فأخذته وضمّته إلى صدرها وأرضعته ثمّ انصرفت عنه ، فسألها أبوه عن الصبيِّ ، فقالت له : قد واريته في التّراب ، فمكثت تعتلُّ وتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم عليهالسلام فتضمه إليها وترضعه ثمّ تنصرف ، فلمّا تحرك أتته أُمّه كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع ، فلمّا أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له : مالك؟ فقال لها : اذهبي بي معك ، فقالت له : حتّى أستأمر أباك (١).
فلم (٢) يزل إبراهيم عليهالسلام في الغيبة مخفيّاً لشخصه ، كاتماً لأمره ، حتّى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه. ثمّ غاب عليهالسلام الغيبة الثّانية ، وذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر فقال : « وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربّي عسى ألّا أكون بدعاء ربي شقيا » قال الله عزَّ وجلَّ : « فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيّاً * ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليّاً » (٣) يعني به عليّ بن أبي طالب عليهالسلام لأنّ إبراهيم قد كان دعا الله عزَّ وجلَّ أن يجعل له لسان صدق في الاخرين فجعل الله تبارك وتعالى له ولاسحاق ويعقوب لسان صدق عليّاً فأخبر علىّ عليهالسلام بأنَّ القائم هو الحادي عشر (٤) من ولده وأنّه المهدي الّذي يملا الأرض قسطاً وعدلاً كما مئلت جوراً وظلماً ، وإنّه تكون له غيبة وحيرة يضلُّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ، وأنَّ هذا كائن كما أنَّه مخلوق. وأخبر عليهالسلام في حديث كميل ابن زياد النخعيّ « أنَّ الأرض لا تخلوا من قائم بحجّة إمّا ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته » وقد أخرجت هذين الخبرين في هذا الكتاب بإسنادهما في باب ما أخبر به أمير المؤمنين عليهالسلام من وقوع الغيبة وكرّرت ذكرهما للاحتياج إليه على أثر ما ذكرت من قصّة إبراهيم عليهالسلام.
ولابراهيم عليهالسلام غيبة اخرى سار فيها في البلاد وحده للاعتبار.
__________________
(١) تتمة الحديث في الكافي ج ٨ تحت رقم ٥٥٨ فليراجع.
(٢) من هنا كلام المؤلف لابقية الحديث.
(٣) مريم : ٤٩ ـ ٥١.
(٤) كذا ولعله وهم من الراوي والصوبا العاشر.