ولك خاصّة ، فقال عبد المطلّب : مثلك أيّها الملك من سرَّ وبرَّ ، فما هو فداك أهل الوبر زمراً بعد زمر ، فقال : إذا ولد بتهامة غلامٌ بين كتفيه شامة ، كانت له الامامة ولكم به الدِّعامة (١) إلى يوم القيامة. فقال له عبد المطلّب : أبيت اللّعن لقد ابت بخبر ما آب بمثله وافد ، ولو لا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته عن مسارِّه إيّاي ما ازداد (٢) به سروراً ، فقال ابن ذي يزن : هذا حينه الّذي يولد فيه أو قد ولد فيه ، اسمه محمّد ، يموت أبوه واُمّه ويكلفه جدّه وعمّه ، وقد ولد سراراً ، والله باعثه جهاراً ، وجاعل له منّا أنصاراً ، ليعزَّبهم أولياؤه ، ويذلَّ بهم أعداءه ، يضرب بهم النّاس عن عرض (٣) ، ويستفتح بهم كرائم الأرض ، يكسر الاوثان ، ويخمد النيران ، ويعبد الرَّحمن ، ويدحر الشّيطان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله.
فقال عبد المطلّب : أيّها الملك عزَّ جدُّك وعلا كعبك (٤) ، ودام ملكك ، وطال عمرك فهل الملك ساريِّ بافصاح فقد أوضح لي بعض الايضاح ، فقال ابن ذي يزن : والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب (٥) إنّك يا عبد المطلّب لجده غير كذب
__________________
(١) في بعض النسخ « الزعامة » أي الرئاسة. والدعامة : عماد البيت.
(٢) في البحار وبعض نسخ الكتاب « لسألته من أسراره ما أراد ـ الخ ».
(٣) العرض ـ بضم العين المهملة والضاد المعجمة بينهما راء مهملة ـ قال في القاموس : « يضربون النّاس عن عرض » أي يبالون من ضربوا.
(٤) قال الجزري في حديث قيلة « والله لا يزال كعبك عالياً » هو دعاء لها بالشرف والعلو ، والاصل فيه كعب القناة ، وكل شيء علا وارتفع فهو كعب. ومنه سميت الكعبة للبيت الحرام ، وقيل : سميت لتكعيبها أي تربيعها. والمعنى : لا تزال كنت شريفاً مرتفعاً على من يعاديك. والجد : البخت والنصيب.
(٥) في بعض النسخ « على البيت » والنصب فسر بحجارة كانوا يذبحون عليها للاصنام ويمكن أن يكون المراد أنصاب الحرم.