ما أبغضت شيئاً كبغضهما ، وإنّما هما صنمان من حجارة لقومي ، فقال بحيرى : هذه واحدة ، ثمَّ قال : فبالله إلّا ما أخبرتني ، فقال : سل عمّا بدا لك فإنّك قد سألتني بإلهي وإلهك الّذي ليس كمثله شيء ، فقال : أسألك عن نومك ويقظتك ، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه ، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته الّتي عنده ، فانكبَّ عليه بحيرى ، فقبّل رجليه وقال : يا بنيَّ ما أطيبك وأطيب ريحك ، يا أكثر النبيّين أتباعاً ، يا من بهاء نور الدُّنيا من نوره ، يا من بذكره تعمر المساجد ، كأنّي بك قد قدت الاجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعاً وكرهاً وكأنّي باللات والعزى وقد كسرتهما وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه ، معك مفاتيح الجنان والنيران ، معك الذّبح الأكبر وهلاك الاصنام ، أنت الّذي لا تقوم السّاعة حتّى تدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قميئة (١) فلم يزل يقبّل يديه مرَّة ورجليه مرَّة ويقول : لئن أدركت زمانك لاضربنَّ بين يديك بالسّيف ضرب الزَّند بالزَّند (٢) أنت سيّد ولد آدم وسيّد المرسلين وإمام المتّقين وخاتم النبيّين ، والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحاً بك ، والله لقد بكت البيع والاصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة ، أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ، أنت المقدِّس المطهّر من أنجاس الجاهلية ، ثمّ التفت إلى أبي طالب وقال : ما يكون هذا الغلام منك؟ فإني أراك لا تفارقه ، فقال أبو طالب : هو ابني ، فقال : ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الّذي ولّده حيّاً ولا أمّه فقال : إنَّه ابن أخي وقد مات أبوه وأمّه حاملة به ، وماتت أمه وهو ابن ستَّ سنين ، فقال : صدقت هكذا هو ، ولكن أرى لك أن تردَّه إلى بلده عن هذا الوجه فإنّه ما بقي على ظهر الأرض يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ولا صاحب كتاب إلّا وقد علم بولادة هذا الغلام ، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينّه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود ، فقال
__________________
(١) أي ذليلة.
(٢) الزند : الّذي يقدح به النار.