وجوههم الزَّعفران ترى منهم الرَّعدة فقالوا : نحبُّ أن تأتوا كبيرنا فإنّه ههنا قريب في الكنيسة العظمى ، فقلنا : ما لنا ولكم؟ فقالوا : ليس يضرُّكم من هذا شئ ولعلّنا نكرمكم ، وظنّوا أنَّ واحد منّا محمّد فذهبنا معهم حتّى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البينان فإذا كبيرهم قد توسّطهم وحوله تلامذته ، وقد نشر كتاباً في يديه ، فأخذ ينظر إلينا مرَّة وفي الكتاب مرة فقال لاصحابه : ما صنعتم شيئاً لم تأتوني بالّذي اُريد ، وهو الان ههنا.
ثمَّ قال لنا : من أنتم؟ فقلنا : رهط من قريش ، فقال : من أيِّ قريش؟ فقلنا من بني عبد شمس ، فقال لنا : معكم غيركم؟ فقلنا : نعم شابٌّ من بني هاشم نسّميه يتيم بني عبد المطلّب ، فو الله لقد نخر نخره (١) كاد أن يغشى عليه ، ثمّ وثب فقال : أوَّه أوَّه هلكت النصرانيّة والمسيح ، ثمّ قام واتّكأ على صليب من صلبانه وهو مفكّر وحوله ثمانون رجلاً من البطارقة والتلامذة ، فقال لنا : فيخفُّ عليكم أن ترونيه؟ فقلنا له : نعم فجاء معنا فإذا نحن بمحمد صلىاللهعليهوآله قائمٌ في سوق بصرى ، والله لكأنّا لم نر وجهه إلّا يومئذ كأنَّ هلالاً يتلألأ من وجهه ، وقد ربح الكثير واشترى الكثير ، فأردنا أن نقول للقسِّ هو هذا؟ فإذا هو قد سبقنا فقال : هو هو ، قد عرفته والمسيح ، فدنا منه وقبّل رأسه وقال له : أنت المقدَّس ، ثمّ أخذ يسأله عن أشياء من علاماته ، فأخذ النبيُّ صلىاللهعليهوآله يخبره فسمعناه يقول : لئن أدركت زمانك لاعطينَّ السّيف حقّه ، ثمّ قال لنا : أتعلمون ما معه؟ معه الحياة والموت ، من تعلّق به حيى طويلاً ، ومن زاغ عنه مات موتاً لا يحيى بعده أبداً ، هو هذا الّذي معه الذّبح الاعظم (٢) ، ثمّ قبل رأسه ورجع راجعاً.
__________________
(١) نخر الانسان : مد الصوت والنفس في خياشيمه.
(٢) في بعض النسخ « الربح الاعظم ».