فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله ارتجس أيوان كسرى ، وسقطت منه أربع عشرة شرافة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ، ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة (١) ، ورأى الموبذان (٢) إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت الدِّجلة وانتشرت في بلادها ، فلمّا أصبح كسرى هاله ما رأى فتصبّر عليها تشجّعاً ، ثمّ رأى أن لا يسَّر ذلك عن وزرائه ، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم وأخبرهم بما رأى ، فبينما هم كذلك ، إذ ورد عليه الكتاب بخمود نار فارس ، فازداد غمّاً إلى غمّه وقال الموبذان : وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه اللّيلة ، ثمَّ قصَّ عليه رؤياه في الابل والخيل ، فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ ـ وكان أعلمهم في أنفسهم ـ فقال : حادث يكون في ناحية العرب ، فكتب عند ذلك : من كسرى ملك الملوك إلى نعمان بن المنذر : أمّا بعد فوجّه إليَّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه ، فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيّان بن نفيلة الغسّانيَّ فلمّا قدم عليه قال : عندك علم ما أريد أن أسألك عنه؟ قال : ليسألني الملك أو ليخبرني فإن كان عندي منه علم وإلّا أخبرته بمن يعلمه ، فأخبره بما رأى ، فقال : علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشام (٣) يقال له : سطيح ، قال : فأته فاسأله وأخبرني بما يرد عليك ، فخرج عبد المسيح حتّى ورد على سطيح وقد أشرف على الموت فسلّم عليه وحيّاه ، فلم يردَّ عليه سطيح جواباً فأنشأ عبد المسيح يقول :
أصمَّ أم يسمع غطريف اليمن |
|
أم فاز فاز لمَّ به شأو العنن (٤) |
__________________
(١) في اللسان « مائة عام ».
(٢) في القاموس الموبذان ـ بضم الميم وفتح الباء فقيه الفرس ، وحاكم المجوس كالموبذ. والجمع الموابذة واللهاء فيها للعجمة.
(٣) المشارف : القرى الّتي تقرب من المدن ، وقيل : القرى الّتى بين بلاد الريف و. جزيرة العرب.
(٤) الغطريف ـ بالكسر ـ : السيد. وقوله « فاز » أي مات. وفي بعض النسخ « فاد » بالدال وهو بمعناه و « ازلم » أي ذهب مسرعا. وأصله « ازلام » فحذفت الهمزة تخفيفا والشأو : السبق والغاية. والعنن : الاعتراض ، وشأ والعنن : اعتراض الموت وسبقه.