|
فأمرهم أعجب من العجب وليس منهم أحدٌ إلّا وقد عرف متي يموت وذلك من قبل أنَّه لا يموت منهم ذكر حتّى يولد له ألف ولد ولا تموت منهم أنثى حتّى تلد ألف ولد ، فبذلك عرفوا آجالهم ، فإذا ولد ذلك الالف برزوا للموت ، وتركوا طلب ما كانوا فيه من المعيشة والحياة ، فهذه قصّتهم من يوم خلقهم الله عزَّ وجلَّ إلى يوم يفنيهم. ثم إنّهم جعلوا في زمان ذي القرنين يدورون أرضاً أرضاً من الارضين ، وأمّة امّة من الامم وهم إذا توجّهوا لوجه لم يعدلوا عنه أبداً ولا ينصرفون يميناً ولا شمالاً ولا يلتفتون. فلمّا أحسّت تلك الاُمم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذي القرنين وذو القرنين يومئذ نازلاً في ناحيتهم فاجتمعوا إليه وقالوا : يا ذا القرنين إنَّه قذ بلغنا ما آتاك الله من الملك والسلطان ، وما ألبسك الله من الهيبة ، وما أيّدك به من جنود أهل الأرض ومن النور والظلمة ، وإنّا جيران يأجوج ومأجوج ، وليس بيننا وبينهم سوى هذه الجبال ، وليس لهم إلينا طريق إلّا هذين الصدفين ولو ينسلون أجلونا عن بلادنا لكثرتهم حتّى لا يكون لنا فيها قرار ، وهم خلق من خلق الله كثير فيهم مشابه من الانس وهم أشباه البهائم ، يأكلون من العشب ، ويفترسون الدّوابِّ والوحوش كما تفترسها السباع ، ويأكلون حشرات الأرض كلّها من الحيّات والعقارب وكل ذي روح ممّا خلق الله تعالى ، وليس [ ممّا خلق الله ] جلّ جلاله خلق ينموا نماهم وزيادتهم فلانشكُّ أنّهم يملؤون الأرض ويجلون أهلها منها ويفسدون فيها ، ونحن نخشى كلّ وقت أن يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين ، وقد آتاك الله عزَّ وجلَّ من الحيلة والقوَّة ما لم يؤت أحداً من العالمين ، « فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدّاً * قال ما مكّنّي فيه ربّي خير فأعينوني بقوَّة أجعل بينكم وبينهم ردماً * آتوني زبر الحديد ». |