|
نتكاذب ولا نتخادع ، ولا يغتاب بعضنا بعضاً ، قال : فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا : من قبل أنّا نقسم بالسويّة ، قال : فما بالكم ليس فيكم فظٌّ ولا غليظ؟ قالوا : من قبل الذُّلِّ والتواضع ، قال : فلم جعلكم الله أطول النّاس أعماراً؟ قالوا : من قبل أنّا نتعاطي الحقِّ ونحكم بالعدل ، قال : فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا : من قبل إنّا لا نغفل عن الاستغفار ، قال : فما بالكم لا تحزنون؟ قالوا : من قبل أنّا وطّنّا أنفسنا على البلاء وحرصنا عليه فعزّينا أنفسنا (١) ، قال : فما بالكم لا تصيبكم الافات؟ قالوا من قبل أنّا لا نتوكّل على غير الله [ جلَّ جلاله ] ولا نستمطر بالانواء (٢) والنجوم ، قال : فحدِّثوني أيّها القوم أهكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟ قالوا : وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم ، ويواسون فقيرهم ، ويعفون عمّن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويستغفرون لمسيئهم ، ويصلون أرحامهم ، ويؤدُّون أماناتهم ، ويصدقون ولا يكذبون ، فأصلح الله بذلك أمرهم. فأقام عندهم ذو القرنين حتّى قبض ولم يكن له فيهم عمر ، وكان قد بلغه السنَّ ، وأدركه الكبر ، وكان عدَّة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله عزَّ وجلَّ إلى يوم قبضه الله خمسمائة عام. |
__________________
(١) عزى تعزية ـ الرَّجل ـ : سلاء.
(٢) النوء : النجم جمعه أنواء. والانواء ثمان وعشرون منزلة ، ينزل القمر كلّ ليلة في منزلة منها ويسقط في الغرب كلّ ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر وتطلع اخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أنَّ مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر ، وينسبونه إليها ، فيقولون : مطرنا بنوء كذا. وإنّما سمى نوءاً لأنّه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق. وينوء نوءاً أي نهض وطلع (النهاية)