أمر الجارية ، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً ، وقالت لعمر بن يزيد النخاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرِّجة المغلّظة (١) إنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت اشاحّه في ثمنها حتّى استقرَّ الامر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليهالسلام من الدَّنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي الّتي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاها عليهالسلام من جيبها وهي تلثمه (٢) وتضعه على خدِّها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها ، فقلت : تعجباً منها أتلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت : أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلِّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرِّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا (٣) بن قيصر ملك الرُّوم ، وأمّي من ولداً الحوارييّن تنسب إلى وصيِّ المسيح شمعون ، أنبئك العجب العجيب إنَّ جدِّي قيصر أراد أن يزوِّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنّة فجمع في قصره من نسل الحوارييّن ومن القسّيسين والرُّهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الاخطار سبعمائة رجل وجمع من أمراء الاجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مسوغاً (٤) من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الاساقفة عكفاً ونشرت أسفار الانجيل تسافلت الصلبان (٥) من الاعالي فلصقت بالارض ، وتقوَّضت الاعمدة (٦)
__________________
(١) المحرجة : اليمين الّذي يضيق المجال على الحالف ولا يبقي له مندوحة عن برقسمه. والمغلظة : المؤكدة.
(٢) أي تقبله.
(٣) في بعض النسخ « يوشعا ».
(٤) في بعض النسخ « وابرز هو من ملكه عرشا مصنوعا ». والبهو : البيت المقدم امام البيوت. وفي بعض النسخ « مصنوعا » مكان « سوغا ».
(٥) في بعض النسخ « تساقطت الصلبان ».
(٦) في بعض النسخ « تفرقت الاعمدة » وفي بعضها « تقرضت ».