أمير المؤمنين عليهالسلام في خرجته إلى صفّين ، فلمّا نزل بنينوى وهو شطُّ الفرات قال : بأعلى صوته : يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟ قال : قلت : ما أعرفه يا أمير المؤمنين ، فقال : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي ، قال : فبكى طويلاً حتّى اخضلت لحيته (١) وسالت الدُّموع على صدره وبكينا معه وهو يقول : أوه أوه مالي ولال أبي سفيان مالي ولال حرب : حزب الشيطان وأولياء الكفر؟! صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الّذي تلقى منهم ، ثمَّ دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلّى ما شاء الله أن يصلّي.
ثم ذكر نحو كلامه الاوَّل إلّا أنَّه نعس عند انقضاء صلاته ساعة ، ثمّ انتبه فقال : يا ابن عبّاس ، فقلت : ها أناذا ، فقال : إلّا اخبرك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟ فقلت : نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين ، قال : رأيت كأنّي برجال بيض قد نزلوا من السّماء معهم أعلام بيض ، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة ، ثمّ رأيت هذه النخيل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض ، فرأيتها تضطرب بدم عبيط ، وكأني بالحسين نجلي (٢) وفرخي ومضغتي ومخّي قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث ، وكأن الرِّجال البيض قد نزلوا من السّماء ينادونه ويقولون : صبرأ آل الرَّسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار النّاس ، وهذه الجنّة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ، ثمّ يعزَّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشر فقد أقرَّ الله عينك به يوم القيامة ، يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين ، ثمّ انتبهت.
هكذا والّذي نفس عليٍّ بيده لقد حدّثني الصادق المصدَّق أبو القاسم صلىاللهعليهوآله ، إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا وهذه أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً كلّهم من ولدي وولد فاطمة عليهاالسلام ، وأنّها لفي السماوات معروفة ، تذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس ، ثمَّ قال لي : يا ابن عبّاس اطلب لي حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت قط وهي مصفرَّة ، لونها
__________________
(١) أخضلت لحيته أي ابتلت بالدموع.
(٢) في بعض النسخ « سخلى ».