أحمد بن عيسى أبو بشير العقيليُّ ، عن أبي حاتم ، عن أبي قبيصة ، عن ابن الكلبيِّ ، عن أبيه قال : سمعت شيوخاً من بجيله ما رأيت على سروهم (١) ولا حسن هيئتهم ، يخبرون أنَّه عاش شقُّ الكاهن ثلاثمائة سنّة فلمّا حضرته الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا : أوصنا فقد آن أن يفوتنا بك الدَّهر ، فقال : تواصلوا ولا تقاطعوا ، وتقابلوا ولا تدابروا ، وبلّوا الارحام (٢) واحفظوا الذِّمام ، وسوِّدوا الحليم ، وأجلّوا الكريم ، ووقّروا ذا الشيبة وأذلّوا اللّئيم ، وتجنبوا الهزل في مواضع الجدِّ ، ولا تكدِّروا الانعام بالمنِّ ، واعفوا إذا قدرتم ، وهادنوا إذا عجزتم ، وأحسنوا إذا كويدتم (٣) واسمعوا من مشايخكم ، واستبقوا دواعي الصلاح عند إحن العداوة فإنَّ بلوغ الغاية في النكاية جرح بطيء الاندمال ، وإيّاكم والطعن في الأنساب ، لا تفحصوا عن مَساويكم (٤) ، ولا تودعوا عقايلكم غير مُساويكم (٥) فإنّها وصمة فادحة وقضأة فاضحة (٦) ، الرِّفق الرِّفق لا الخرق فإن الخُرق مندمة في العواقب ، مكسبة للعواتب ، الصبر أنفذ عتاب (٧) ، والقناعة خير مال والنّاس أتباع الطمع ، وقرائن الهلع ، ومطايا الجزع ، وروح الذُّلِّ التخاذل ، ولا تزالون ناظرين بعيون نائمة ما اتّصل الرَّجاء بأموالكم والخُوف بمحالكم.
ثمَّ قال : يا لها نصيحة زلّت عن عذبة فصيحة إذا كان وعاؤها وكيعاً (٨) ومعدنها منيعاً ، ثمّ مات.
قال مصنّف هذا الكتاب رضياللهعنه : أنَّ مخالفينا يروون مثل هذه الأحاديث
__________________
(١) السرو ـ بفتح السين المهملة وسكون الراء والواو آخراً ـ : المروءة في شرف.
(٢) في النهاية فيه « بلوا ارحامكم ولو بالسلام » أي ندوها بصلتها وهم يطلقون اليبس على القطيعة.
(٣) من الكيد.
(٤) يعنى مساوى بني نوعكم.
(٥) العقيلة : الكريمة أي لا تزوجوا بناتكم إلّا ممّن يساويكم في الشرف.
(٦) الوصمة : العار والعيب. والفادح : الثقيل وقضأة فاضحة أي عيب وفساد وتقضؤوا منه أن يزوجوه أي استخسوا حسبه.
(٧) في بعض النسخ « أنفذ عتاد ».
(٨) وعاء وكيع أي شديد متين.