يطلبوا الباب ، فكانوا يعملون سنّة حواليه حتّى ضجروا وكلّوا ، فلمّا همّوا بالانصراف بعد الاياس منه وترك العمل وجدوا سَرَباً فقدروا أنَّه الباب الّذي يطلبونه ، فلمّا بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة (١) من مرمر فقدروا أنّها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها [ قال محمّد بن المظفّر وجدوا من ورائها بناء منضمّاً لا يقدروا عليه فأخرجوها ثمّ نظّفوها ] فإذا عليها كتابة باليونانيّة ، فجمعوا حكماء مصر وعلماءها من سائر الأديان ، فلم يهتدوا لها.
وكان [ في القوم ] رجل يعرف بأبي عبد الله المدينيِّ أحد حفّاظ الدُّنيا وعلمائها فقال لابي الجيش حمادويه بن أحمد : أعرف في بلد الحبشة اُسقُفاً قد عمر وأتى عليه ثلاثمائة وستّون سنة يعرف هذا الخطَّ ، وقد كان عزم على أن يعلّمنيه فلحرصي على علم العرب لم أقم عنده وهو باق ، فكتب أبو الجيش إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الاسقف إليه ، فأجابه أنَّ هذا شيخ قد طعن في السنِّ وقد حطمه الزَّمان وإنّما يحفظه هذا الهواء وهذا الإقليم ، ويخاف عليه أن نقل إلى هواء آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقّة السفر أن يتلف ، وفي بقائه لنا شرف وفرح وسكينة ، فإن كان لكم شيء يقرؤه أو يفسره أو مسألة تسألونه فاكتب لى بذلك ، فحملت البلاطة في قارب (٢) إلى بلد اُسوان من الصعيد الاعلى ، وحملت من اسوان على العجلة إلى بلد الحبشة وهي قريبة من الاسوان ، فلمّا وصلت قرأها الاسقف وفسّر ما كان فيها بالحبشيّة ، ثمَّ نقلت إلى العربيّة فإذا فيها مكتوب :
أنا الرَّيّان بن دومغ ، فسئل أبو عبد الله المدينيُّ عن الريّان من كان؟ فقال : هو والد العزيز الملك الّذي كان في زمان يوسف النبيّ عليهالسلام واسمه الوليد بن الريان ابن دومغ. وكان عمر العزيز سبعمائة سنّة ، وعمر الرَّيّان والده ألف وسبعمائة سنّة وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة.
فإذا فيها : أنا الرَّيّان بن دومغ خرجتُ في طلب علم النيل الأعظم لاعلم
__________________
(١) البلاط : الحجارة المفروشة في الدار.
(٢) أي سفينة صغيرة.