له : قم فاخرّج ولا تؤخّر ذلك ، فقام ولم يفش سرَّه إلى أحد من النّاس غير وزيره فبينا هو يريد الرُّكوب إذا أتاه رجل شابٌ جميلٌ كان قد ملكهم بلاده فسجد له.
وقال : أين تذهب : يا ابن الملك وقد أصابنا العسر أيّها المصلح الحكيم الكامل : وتتركنا له وتترك ملكك وبلادك ، أقم عندنا فإنّا كنّا منذ ولدت في رخاء وكرامة ولم تنزل بنا عاهة ولا مكروه ، فسكّته يوذاسف وقال له : امكث أنت في بلادك ودرا (١) أهل مملكتك فأمّا أنا فذاهب حيث بعثت وعامل ما أمرت به فإن أنت أعنتني كان لك في عملي نصيباً.
ثم أنَّه ركب فسار ما قضى الله له أن يسير ، ثمّ أنَّه نزل عن فرسه ووزيره يقود فرسه ويبكي أشدَّ البكاء ، ويقول ليوذاسف : بأيِّ وجه أستقبل أبويك؟ وبما أجيبهما عنك وبأيِّ عذاب أو موت يقتلاني ، وأنت كيف تطيق العسر والاذى الّذي لم تتعوّده وكيف لا تستوحش وأنت لم تكن وحدك يوماً قط؟ وجسدك كيف تحمّل الجوع والظّمأ والتقلّب على الأرض والتراب ، فسكّته وعزَّاه ووهب له فرسه والمنطقة فجعل يقبّل قدميه ويقول : لا تدعني وراءك يا سيّدي اذهب بي معك حيث خرجت فانّه لا كرامة لي بعدك وإنّك إن تركتني ولم تذهب بي معك أخرج في الصّحراء ولم أدخل مسكنا فيه إنسان أبداً ، فسكّته أيضاً وعزّاه وقال : لا تجعل في نفسك إلّا خيراً فإنّي باعث إلى الملك وموصيه فيك أن يكرمك ويحسن إليك.
ثمَّ نزع عنه لباس الملك ودفعه إلى وزيره وقال له : البس ثيابي وأعطاء الياقوتة الّتي كان يجعلها في رأسه ، وقال له : انطلق بها معك وفرسي وإذا أتيته فاسجد له وأعطه هذه الياقوتة وأقرئه السّلام ثمّ الاشراف وقل لهم : إنّي لمّا نظرت فيما بين الباقي والزائل رغبت في الباقي وزهدت في الزائل ولمّا استبان لي أصلي وحسبي وفصلّت بينهما وبين الأعداء والقرباء رفضت الأعداء والقرباء وانقطعت
__________________
(١) من المداراة.