ادَّعى التكافؤ فيما هما مثلان ونظيران ومشبهان ، والحمد لله.
وأقول ـ وبالله التوفيق ـ : إنّا قد استعبدنا بالاقرار بعصمة الامام كما استعبدنا بالقول به ، والعصمة ليست في ظاهر الخليقة فترى وتشاهده ولو أقررنا بامامة إمام وأنكرنا أن يكون معصوماً لم نكن أقررنا به ، فإذا جاز أن نكون مستعبدين من كلّ إمام بالاقرار بشيء غائب عن أبصارنا فيه جاز أن نستعبد بالاقرار بامامة إمام غائب عن أبصارنا لضرب من ضروب الحكمة يعلمه الله تبارك وتعالى اهتدينا إلى وجهه أو لم نهتد ولافرق.
وأقول أيضاً : إنَّ حال إمامنا عليهالسلام اليوم في غيبته حال النبيّ صلىاللهعليهوآله في ظهوره ، وذلك أنَّه عليهالسلام لمّا كان بمكة لم يكن بالمدينة ، ولمّا كان بالمدينة لم يكن بمكّة ، ولمّا سافر لم يكن بالحضر ، ولمّا حضر لم يكن في السفر ، وكان عليهالسلام في جميع أحواله حاضراً بمكان ، غائباً عن غيره من الاماكن ، ولم تسقط حجّته صلىاللهعليهوآله عن أهل الأماكن الّتي غاب عنها ، فهكذا الامام عليهالسلام لا تسقط حجّته وإن كان غائبا عنا كما لم تسقط حجّة النبيّ صلىاللهعليهوآله عمّن غاب عنه ، وأكثر ما استعبد به النّاس من شرائط الاسلام وشرائعه فهو مثل ما استعبدوا به من الاقرار بغيبة الامام ، وذلك أنَّ الله تبارك وتعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والايمان بسائر ما أنزل الله عزَّ وجلَّ على نبيه وعلى من قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وبالاخرة فقال : « هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة وممّا رزقناهم ينفقون * والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفحلون » (١) وإن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه وهو يتصاب عرقا فإذا أفاق قال : قال الله عزَّ وجلَّ كذا وكذا ، أمركم بكذا ، ونهاكم عن كذا. وأكثر مخالفينا يقولون : أنَّ ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل عليهالسلام عليه ، فسئل الصادق عليهالسلام عن الغشية الّتي كانت تأخذ النبيّ صلىاللهعليهوآله أكانت تكون عند هبوط جبرئيل عليهالسلام فقال : لا إنَّ جبرئيل كان إذ أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يدخل عليه حتّى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد وإنّما ذلك عند
__________________
(١) البقرة : ٣ و ٤ و ٥.