على الغائب الامام بعده عليهمالسلام لأنّ رجال أبيه الحسن عليهالسلام الثقات كلّهم قد شهدوا له بالامامة ، وغاب عليهالسلام لأنّ السّلطان طلبه طلباً ظاهراً ، ووكّل بمنازله وحرمه سنتين.
فلو قلت : إنَّ غيبة الامام عليهالسلام في هذا العصر من أدلَّ الادلة على صحّة الامامة قلت : صدقاً لصدق الأخبار المتقدِّمة في ذلك وشهرتها.
وقد ذكر بعض الشيعة ممّن كان في خدمة الحسن بن عليٍّ عليهماالسلام وأحد ثقاته أنَّ السبب بينه وبين ابن الحسن بن عليٍّ عليهماالسلام متّصل وكان يخرج من كتبه وأمره ونهيه على يده إلى شيعته إلى أن توّفي وأوصى إلى رجل من الشّيعة مستور فقام مقامه في هذا الامر.
وقد سألونا في هذه الغيبة (١) وقالوا : إذا جاز أن يغيب الامام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تنكرون من رفع عينه عن العالم؟ فيقال لهم : في ارتفاع عينه ارتفاع الحجّة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها. وأما إذا استتر الامام للخوف على نفسه بأمر الله عزَّ وجلَّ وكان له سببٌ معروفٌ متّصل به وكانت الحجّة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنّما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهراً وليس في ذلك بطلان للحجة ، ولذلك نظائر قد أقام النبيّ صلىاللهعليهوآله في الشعب مدة طويلة وكان يدعو النّاس في أوّل أمره سرّاً إلى أن أمِنَ وصارت له فئةٌ وهو في كلّ ذلك نبيٌّ مبعوثٌ مرسلٌ فلم يبطل توقّيه وتستّره من بعض النّاس بدعوته نبوَّته ولا أدحض ذلك حجّته ، ثمّ دخل عليهالسلام الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يبطل ذلك نبوَّته ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوَّته وكذلك الامام يجوز أن يحبسه السّلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتّى لا يفتي ولا يعلم ولا يبيّن ، والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يفت ولم يبيّن لأنّه موجود العين في العالم ، ثابت الذَّات ، ولو أنَّ نبيّاً أو إماماً لم يبيّن ويُعلّم ويفت (٢) لم تبطل نبوَّته ولا إمامته ولا حجّته ، ولو ارتفعت ذاته لبطلت
__________________
(١) في بعض النسخ « وقد سألونا في ذلك ».
(٢) في بعض النسخ « ويقل ».