إذ وصل أخوهما الآخر إسحق بن أحمد ولم يترجل عن الجواد. فقال الأمير إسماعيل : يا فلان! ألا تترجل لمولاك؟ وشتمه واحتد عليه ، فترجل إسحق مسرعا ووقع على قدمى نصر وقبل الأرض واعتذر قائلا : إن جوادى هذا جامح ولا يمكن الترجل عنه سريعا. فلما أتم هذا الكلام قال الأمير إسماعيل :
أيها الأمير ـ الصواب أن تعود إلى مقر عزك سريعا قبل أن يصل هنالك هذا الخبر وتثور الرعية فى ماوراء النهر. فقال الأمير نصر : يا أبا إبرهيم ، أأنت الذى تبعث بى إلى مكانى! .. فقال الأمير إسماعيل : إذا لم أفعل هذا فماذا أصنع ، ولا يليق بالعبد أن يعامل سيده غير هذه المعاملة والأمر لك. وكان الأمير نصر يتكلم والدموع تهطل من عينيه ويأسف على ما حدث والدماء التى أريقت ، ثم نهض وركب وقد أمسك الأمير إسماعيل وأخوه إسحق بالركاب وأعادوه. وبعث (أى الأمير إسماعيل) بسيماء الكبير وعبد الله بن مسلم (١) لتشييعه ، فساروا مرحلة وأعادهما الأمير نصر وذهب إلى سمرقند.
ويوم أن كان نصر بن أحمد أسيرا كان يتحدث إلى أولئك القوم كما كان يتحدث إليهم أيام أن كان أميرا جالسا على العرش ، وكانوا وقوفا لديه لخدمته. وقد توفى الأمير نصر بعد ذلك بأربع سنوات لسبع بقين من شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين ومائتين (٨٩٢ م) وأقيم الأمير إسماعيل خليفة له على جميع أعمال ماوراء النهر وأخوه الآخر وابنه تابعين له.
ولما رحل الأمير نصر عن الدنيا ذهب الأمير إسماعيل من بخارى إلى سمرقند وأقام أود الملك ، وأقام ابنه أحمد خليفة له وواصل الغزو من هنالك. وكان الأمير إسماعيل قد جاء إلى بخارى وبقى بها عشرين سنة حتى رحل أخوه عن الدنيا وفوّض إليه جميع ماوراء النهر. ولما بلغ أمير المؤمنين المعتضد بالله (٢) خبر وفاة الأمير
__________________
(١) فى نسخة شيفر (المسلم) وفى نسخة رضوى (مسلم).
(٢) المعتضد بالله ـ أحمد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد ، الخليفة العباسى السادس عشر ، ولد سنة ٢٤٣ ه (٨٥٧ م) وتولى الخلافة سنة ٢٧٩ ه (٨٩٢ م) وتوفى سنة ٢٨٩ ه (٩٠١ م).