نصر أعطى منشور عمالة ماوراء النهر إلى الأمير إسماعيل فى شهر المحرم سنة مائتين وثمانين (٨٩٣ م). وقد ذهب فى هذا التاريخ محاربا إلى «طراز» (١) ولقى عناء كبيرا ، وخرج أمير طراز آخر الأمر وأسلم مع كثير من الدهاقين ، وفتحت طراز وجعلوا كنيستها الكبرى (٢) مسجدا جامعا ، وتليت الخطبة باسم أمير المؤمنين المعتضد بالله ، وجاء الأمير إسماعيل بغنائم كثيرة ، وملك سبع سنوات وكان أمير ماوراء النهر إلى أن عظم أمر عمرو بن الليث (٣) واستولى على بعض خراسان وأخذ فى الغزو. وقد طلب الأمير على بن الحسين من أحمد أمير الكوزكانية (٤) المعونة ، فلم يلق منه جوابا طيبا ، فعبر جيحون ، وجاء إلى الأمير إسماعيل ببخارى ، فسر الأمير وخرج لاستقباله بالجيش ، وجاء به إلى بخارى معززا مكرما ، وأرسل إليه
__________________
(١) طراز : بكسر الطاء وفتحها ، مدينة قديمة تقع بقرب مدينة تسمى «يه سه» أو تركستان شمال طشقند (أى الشاش) على ضفاف نهر يسمى باسمها «طراز» ويعرف الآن بتحريف باسم نهر تالاس. وقد عرفت طراز بعد الإسلام باسم «أوليا آتا» نسبة إلى أحد كبار الفاتحين وهو السيد شاه محمود بن عبد العزيز العلوى الملقب بأوليا قراخان الذى توفى سنة ٢٨٠ ه. (٨٩٣ م.) بطراز ودفن فيها وضريحه يزار ويتبرك به ، كما سميت طراز فى عهد السوفييت باسم «جمبول» بفتح الجيم وسكون الميم وضم الباء وسكون الواو واللام ، وهى الآن مدينة تجارية هامة تتبع جمهورية قزاقستان. وقيل إنها (أى طراز) مدينة «فاراب» القديمة مسقط رأس الفيلسوف الإسلامى العظيم أبى نصر الفارابى ، وعلماء أجلاء مثل إسماعيل بن حماد الجوهرى صاحب «صحاح الجوهرى» وخاله أبو إبرهيم إسحاق بن إبرهيم صاحب «ديوان الأدب» فى اللغة. (انظر : معجم البلدان ج ٦ ص ٣٦ مادة طراز وص ٣٢٢ مادة فاراب) والفقيه الشيخ هبة الله الطرازى. وتمتاز طراز بجمالها الطبيعى وآثارها العديدة وأهميتها الاستراتيجية وصمودها ضد غزوات المغول ، وقد عانى المغول كثيرا من المشقات عند فتحها.
(٢) يذكر النرشخى هنا (كليساى بزرك) أى الكنيسة الكبرى ، كما يذكر معابد الفرس باسم بيت النار وهذا يدل على أن أهل طراز كانوا مسيحيين عند ما غزاها الأمير إسماعيل وفتحها ، ومن المعروف أن المسيحية النسطورية انتشرت فى تلك النواحى منذ القرن الرابع الميلادى.
(٣) عمرو بن الليث الصفار ـ ثانى أمراء الدولة الصفارية (توفى سنة ٢٨٩ ه / ٩٠٣ م.) ولى بعد وفاة أخيه يعقوب سنة ٢٦٥ ه. (٨٧٨ م) وأمره المعتضد العباس على أعمال أخيه كلها وهى خراسان وأصبهان وسجستان والهند وكرمان [الأعلام للزركلى].
(٤) الكوزكانية نسبة إلى كوزكان (Gozgan) وتعريبها جوزجان ، ناحية كبيرة فى خراسان بين بلخ ومرو رود (قاموس الأعلام ج ٤ ص ١٨٥١) ، وهى الآن ولاية من الولايات الشمالية بأفغانستان تقع شرقى ولاية فاراب ، وكانت جوزجان مسقط رأس علماء وأدباء كثيرين يلقبون بالجوزجانى منهم الحكيم أبو عبيد الجوزجانى من معاصرى ابن سينا.