وعندئذ اصطفوا ورآهم طلائع عسكر بيدون فأسرع المسلمون بنفخ البوق وركبوا جميعا فى آن واحد واصطفوا ، وحمل عليهم ملك الترك وعجز العرب. فقال المهلب : لقد علمت أن هذا سيحدث ، فقالوا وما التدبير؟ قال : أسرعوا ، فعادوا وأدركهم بيدون وقتل أربعمائة من المسلمين وفر الباقون حتى المعسكر ، وطلع فجر اليوم التالى وعبر بيدون النهر وجاء إلى أمير ختن (١) حيث كان بينهما نصف فرسخ ، ونشبت المعركة ، فتقدم المهلب واشتدت الحرب وحمل الكفار وأحاطوا به ، فصاح المهلب : أدركونى! فذهل مسلم وقال : هذه صيحة المهلب. وكان عبد الله ابن خودان آنذاك ماثلا أمام مسلم صامتا ، فقال مسلم : ماذا حدث حتى لا تتكلم؟ فقال : والله لو لم يخش المهلب الهلاك لما صاح ، فلأركب وأعمل ما علىّ فإذا هلكت فإنى راض ، وكان المهلب يصيح عند كل هزيمة. فقال مسلم : اصبروا ساعة. وفى أثناء هذا طلب مسلم الخوان وأكل ، فقال عبد الله خودان : أى وقت طعام هذا؟ أشبعك الله! .. لقد هلكت دون أن تدرى ولم تكن رجل حرب. فقال مسلم وما التدبير الآن؟ قال : مر الفرسان أن يترجلوا ويذهبوا إلى ساحة الوغا ، ففعلوا كذلك. وأسرع عبد الله بن خودان إلى المهلب ، فكان المهلب فى ورطة شديدة ، فقال انظروا خلفكم ، فلما نظروا رأوا الرجال يأتون لنجدتهم فتشجعوا وأخذوا فى الوثوب واشتدوا فى الحرب. وقتل بيدون فى أثناء ذلك فكبر المسلمون وانهزم الكفار كلية. وكان المسلمون يتعقبونهم ويقتلونهم حتى قضوا عليهم وأخذوا غنائم كثيرة وقسموها فى ذلك اليوم. فأصاب كل فارس ألفين وأربعمائة درهم. فأرسلت الخاتون شخصا وطلبت الصلح فصالحها مسلم وأخذ أموالا عظيمة. فقالت
__________________
(١) ختن : مدينة قديمة ومشهورة بالمسك والجمال فى التركستان الشرقية ، تقع على بعد ٣٠٠ كيلومتر جنوب شرقى ياركند على ضفاف نهر ختن من روافد نهر تاريم. جميع أهاليها أتراك مسلمون كانت لها أهمية تجارية كبرى فى قديم الزمان لوقوعها فى طريق تجارى بين الصين ومدن آسيا الغربية وظلت حينا إمارة مستقلة وحينا آخر تحت حكم الصين وفى عام ١٢٩٠ ه (١٨٧٣ م.) انضمت إلى إمارة التركستان الشرقية التى حررها من الحكم الصينى أتالق الغازى يعقوب بك ، ثم استولى عليها الصينيون ثانية بعد أن استولوا على مدينة كاشغر ، ولم تزل تحت حكمهم للآن كجزء من التركستان الشرقية المعروفة أيضا بالتركستان الصينية.