فرأت الخاتون ذلك الجيش والمعدات وعرفت أن بخارى لا تستطيع مقاومته ، فأرسلت إلى طرخون ملك السغد وقالت : إننى أكون زوجة لك وتكون بخارى بلدك ، ويجب أن تأتى وتكف يد العرب عن هذا الملك ، فجاء طرخون فى مائة وعشرين ألف رجل ، وجاء بيدون أيضا من التركستان مع عسكر كثير (١) وكانت الخاتون قد عقدت صلحا مع مسلم وفتحت الأبواب وأبواب القصر الخارجى أيضا. فوصل بيدون ونزل على الضفة الأخرى لنهر خرقان (خرقان رود) ، فأخبروا مسلم بأن بيدون وصل ، وأن الخاتون بايعته وأغلقوا أبواب المدينة. فبعث مسلم بن زياد بشخص إلى المهلب وقال : قل له يذهب ويرى هذا العسكر ما مقداره ، وأن يعد ما يلزم للاستطلاع.
فأجاب المهلب (٢) : لا يوفد مثلى فى هذه المهمة ، أنا رجل مشهور ، فأرسل شخصا إذا عاد سالما يخبرك الخبر اليقين وإذا هلك لا تظهر الهزيمة فى جيشك.
فقال مسلم لا بد وأن تذهب. فقال المهلب إذا كان ولا بد من ذهابى فأرسل معى رجلا من كل لواء ولا تخبر أحدا بذهابى ، ففعل كذلك وأرسل معه ابن عمه ؛ وذهبوا معه ليلا ، فاستطلعوا دون أن يعرف جيش العدو ، فلما طلع النهار أدى مسلم بن زياد صلاة الفجر والتفت إلى الناس وقال : لقد أرسلت المهلب ليلة أمس للاستطلاع ، ففشا الخبر فى العسكر وسمع العرب وقالوا : إنه أرسل المهلب ليصيب من الغنيمة أكثر منا ولو كانت الحرب قائمة لأرسلنا معه ، فأسرع جمع بالركوب ، وذهبوا إثر المهلب حتى ضفة النهر ، فلما أبصرهم المهلب قال : أخطأتم إذ قدمتم ، كنت مستخفيا وها هم يأتون علانية والآن يأخذ الكفار الجميع.
وأحصى المهلب المسلمين فكانوا تسعمائة ، فقال : والله لتندمنّ على ما فعلتم
__________________
(١) فى نسخة شيفر : بيامد با اين لشكر ، أى جاء مع هذا العسكر ؛ وفى نسخة مدرس رضوى : بالشكر بسيار بيامد : أى جاء بعسكر كثير. وهذه العبارة أنسب لتمشيها مع السياق فأخذنا بها.
(٢) أبو سعيد المهلب بن أبى صفرة ظالم بن سراق الأزدى العتكى (٧ ـ ٨٣ ه ـ ٦٢٨ ـ ٧٠٢ م) أمير ، بطاش ، جواد ، قال فيه عبد الله بن الزبير «هذا سيد أهل العراق» ، ولد فى دبا وقدم المدينة مع أبيه فى أيام عمر وولى إمارة البصرة لمصعب بن الزبير وفقئت عينه بسمرقند. ولاه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان فقدمها سنة ٧٩ ه (٦٩٨ م) ومات بها (الزركلى : الأعلام ج ٨ ص ٢٦٠).