فقال حيان : حين ينشغل العسكر بالحرب وتشتد المعركة. ففعلا كذلك ، فلما حمى الوطيس قابل حيان النبطى طرخون وقال : لقد ذهب عنك الملك وأنت لا تدرى! قال : وكيف؟ فقال : نحن نستطيع أن نبقى هنا ما دام الجو حارّا ، والجو الآن بارد وقد آن لنا أن نرحل ، وما دمنا هنا فإن هؤلاء الأتراك يحاربوننا ، فإذا ما ذهبنا من هنا يحاربونك لأن ولاية السغد مكان جميل ولا مثيل له فى الدنيا جمالا ، فكيف يتركون لك السغد ليرحلوا إلى التركستان؟ وتبقى فى عناء ويأخذون ملكك. فقال طرخون : وما حيلتى؟ قال : تعقد صلحا مع قتيبة وتعطيه شيئا وتظهر للترك بأنه قد وصل لنا جيش عظيم عن طريق كش ونخشب مددا من الحجاج ، وتقول لهم إنى عائد ليعودوا هم أيضا ؛ فإذا ما عقدت معنا الصلح وأخذت منا العهد لن نريد بك سوءا ولن نؤذيك وتخرج أنت من هذا العناء. فقال طرخون : لقد أحسنت نصحى ، فلأفعل هكذا ، سأعود الليلة. فلما أقبل الليل بعث طرخون بشخص إلى قتيبة واصطلح وأرسل مالا قدره ألفا درهم ونفخوا فى البوق وذهبوا ، فقال الدهاقين والأمراء ماذا حدث؟ فقال : حذار تنبهوا ـ فقد بعث الحجاج بعسكر عظيم من ناحية كش ونخشب ليأتوا من خلفنا ويحيطوا بنا ، وإنى عائد إلى ولايتى. فبعت كورمغانون التركى بشخص وسأل الخبر فأخبروه بهذه الحالة ، فنفخ هو أيضا فى البوق وعاد ، وكانوا ينهبون الولاية ويمضون ، فصرف الله تعالى هذا البلاء عن المسلمين. وقد بقى قتيبة فى شدة أربعة شهور لم تصل فيها أخباره هو وأصحابه إلى الحجاج ، وكان قلب الحجاج مشغولا من هذه الناحية وكانوا فى المساجد يتلون القرآن ويقيمون الختمات (١) ويدعون الدعوات ، وعاد قتيبة وأصحابه إلى بخارى. وكانت هذه المرة الرابعة التى جاء فيها إلى بخارى وحارب وأخذ الأموال ونهب جانبا من الولايات وقتل بعضا وأسر بعضا واسترقهم. فكان يذهب إلى مرو ويعود إلى ولاية بخارى حماها الله تعالى من جميع الآفات والبليات.
__________________
(١) أى يقيمون المجالس التى يقرأ فيها القرآن من أوله لآخره ، ويقال للمصحف بأكمله فى قرانا المصرية «الختمة» ويقرأ الريفيون كذلك القرآن كله فى بعض المناسبات ويقال فى ذلك إنهم عملوا ختمة أى سهروا ليلة قرأوا فيها القرآن من أوله لآخره ووزعوا الصدقات. وفى التركستان وأفغانستان وتركية والهند والحجاز يختم المسلمون القرآن فى ليالى شهر رمضان وهم يصلون صلاة التراويح وذلك فى أيام معدودات ويسمى ذلك «ختم» أيضا.