(٩)
سياسة عثمان من الصحابة والمعارضة
لم تكن السياسة المالية التي انتهجها عثمان وحدها مما نقم بها عليه الناس ، ولم تكن الأثرة في السلطان وإدارة التولية والعزل وحدها مما أخذ به المسلمون عثمان ، ولم يكن ضعف السلطان أيضاً ، ولا التفاوت الطبقي وتضخم الملكية الخاصة مما أجلب على عثمان فحسب ، فهناك عامل مهم نشأ في ظلال ذلك ، وترعرع في أحضان هذه السياسة بمجموعها ، هو عامل الإنتقام من الخصوم تارة ، والنفي والتشريد لمعارضيه تارة أخرى ، ولست أدري هل يجوز للحاكم الانتقام والثأر لنفسه بمجرد نصحه والإنكار عليه؟ وما هو الحد الذي يباح للسلطان في تغريب معارضيه؟ ونفي المنكرين عليه عن ديارهم وأوطانهم ؛ وما هو حق الولاة في خنق الأنفاس وكبت الحريات ، ومؤاخذة الناقمين بآرائهم؟ هذا إذا كان الحاكم حاكماً بتفويض من الشعب ، وكيف به إذا كان ـ فيما يزعم ـ متجلبباً برداء ألبسه الله إياه؟ وقد كان عثمان يقترف كل ذلك ، وولاة عثمان يقترفون ذلك وأكثر من ذلك ، فالبصري ينفى إلى الشام ، والكوفي ينفى إلى الحجاز ، والمكي ينفى إلى الربذة ، ولستُ بإزاء إحصاء ذلك فقد يطول ذكره ، ولكني بسبيل متابعة ما نقمه المسلمون على عثمان تجاه ثلاثة من كبار الصحابة إنشقوا على حكمه ، ونعوا عليه تصرفاته بكثير من الإصرار ، وهؤلاء