(٦)
سيرة عمر ... واتكاؤه على أمير المؤمنين
تسلّم عمر (رض) أزمة الحكم ، وسار بالأمة سيراً عنيفاً يتسم بالشدة والصرامة ، وقد يوسم بالقسوة وعدم المبالاة ، وكانت درّته تقوّم الأود ، وصيحته تهدّأ الهرج ، وغضبته تبدد الهوس ، وبشدته هذه ، ودفعته في التفكير إستقام له السلطان ، وانقادت له الرجال طائعة ومكرهة ، وما عليه أن لا يكون كذلك ، وهو الخبير بحقائق الأشياء ، ومن ذا يعترض مسيرته ، وقد اتكأ على عليّ عليهالسلام حيناً في علمه وفقهه وقضائه ، وعلى ابن عباس حيناً آخر في تجربته وتأويله وأدبه ، وللناس ظاهر الحال ، منه الأمر وعليهم الطاعة.
ولم يكن للخليفة الجديد مندوحة يتخلى فيها عن علي في اللحظات الشائكة ، ولم يكن له منه بد في المشاهد الحرجة ، وهو أعلم بعواطف الناس تجاه علي عليهالسلام تجلةً ومنزلة واحتراماً ، وهو أدرى بما تضم جوانح الإمام من علم فياض ، وفقه غزير ، ودراية متكاملة ؛ وهو زعيم بأن علياً لا يحيد عن الحق طرفة عين أبداً ؛ كان يعرف هذا كله ، ويعرف ما هو أكثر من هذا كله ، فليكن علي ـ إذن ـ المستشار الأول للخليفة ، وبصورة ظاهرية إن لم تكن واقعية ؛ وقد اتضح ميله الشديد لعلي ، وبدا تقريبه إليه واضحاً ، وحضوته السياسية عنده أثيرة ، وانجلت السحب الكثيفة في سماء العلاقات الجافة شيئاً فشيئاً ، واتصل بحبل من