(٤)
قيادة الناكثين بين التردد واقتحام البصرة
سار جيش المتمردين والناكثين نحو البصرة ، وكانت قيادته مترددة حائرة ، تتنازع بينها الإمارة تارة ، وتتناوب بينها الصلاة تارة ، فعبد الله بن الزبير يدعو للسلام على أبيه بالإمارة ، ومحمد بن طلحة يدعو للسلام على أبيه بالإمارة أيضاً ، وعائشة قلقة بين هذا وذاك ، فتولى ابن أختها عبد الله بن الزبير أمر الصلاة ، وهو قرار فيه كثير من الإستبداد والتحدي لمكان أبيه ووجود طلحة. وعائشة نفسها تستولي عليها الذكريات المريرة فترجع ـ كالحالمة حيناً والمتيقظة حيناً آخر ـ إلى عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى قوله لنسائه :
أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ، تنبحها كلاب الحوأب؟ ».
وإذا بكلاب الحؤاب تنبحها بشراسة ، وتفجأها بعواء كالزئير ، وتجزع لذلك جزعاً متواصلاً ثقيلاً ، وتلهث لهاثاً متسارعاً ، وتصرخ بمن حولها : ردّوني ردّوني ، أنا والله صاحبة كلاب الحوأب ، فيجيئها عبد الله بن الزبير ملفقاً لها شهادة زور عريضة من خمسين أعرابياً من بني عامر يحلفون لها بالله أن هذا الماء ليس بماء الحوأب ، وأن الكلاب ليست بكلاب الحوأب ، فكانت أول شهادة زور في الإسلام كما يقول المؤرخون.
ويستمع طلحة والزبير وسواهما من المتمردين إلى هذه الشهادة ،