(٢)
ظلامة الزهراء في انعطاف تاريخي
تثاءبت احتجات الأنصار باهتة ، وتبخرّت أحلام المعارضة السياسية لبيعة أبي بكر ذائبة ، ولكن الآهات لا تهدأ ، والزفرات لا ترقأ ، فقد انطلقت الشكوى الحزينة لابنة صاحب الرسالة ، تزمجر في الاُفق ، فتهتز المدينة لها رقةً حيناً ، وجزعاً حيناً اخر ؛ فالزهراء حبيبة محمد ، وديعته عند المسلمين ، ولهاحرمتها وقداستها ، وإذا بها ترسل ادلتها لمقالتها ، وتدلي بحججها لظلامتها ، تطالب ابا بكر ، بفدك نحلتها ، وبإرثها من أبيها ، وبسهم ذوي القربى ، تحاجج بمنطق القرآن ، وتناظر بلغة الوحي ، فاغمط عيناً دون ذلك ، ولجأ إلى المعاذير ، واخترع حديث : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة » كما يرى ذلك طه حسين (١).
وكان خبر واحد لا يفيد علماً ولا عملاً ، ولكنه أصر عليه ، فكذب دعواها في النحلة مع الشهود ، وتصرفها زمن أبيها ، ووضع إلىد عليها ، وكلها أمارات تصدق دعواها ، وحرمها الميراث ولم يحرم أزواج النبي من ذلك وانزل سهم ذوي القربى ـ وهو حق خاص منصوص عليه في التنزيل ـ في حساب المسلمين ببيت المال.
__________________
(١) ظ : محمد الدسوقي / أيام مع طه حسين / ١٢٨ + المؤلف / هكذا رأيتهم / ٦٢.