ولم يكن عليّ عليهالسلام بمنأى عن هذا الإجراء ، بل هو أول من نُفِذّ بحقه هذا النظام الجديد ، وإذا منع علي عليهالسلام من الحركة والحرية فمن يستطيع إذن بعده من البوح عما في نفسه ، ومن يقوى على التفكير في الخروج من هذه الدائرة المحكمة الأقفال.
القوة والصراحة تصاحبهما الدقة والمحاسبة ، من أوليات التعبير السياسي لدى الحاكم الجديد ، فكل شيء بقدر ، وكل خطوة بحذر ، شاء المقابل أم أبى.
هنالك أدرك بعض قريش أن قريشاً ما اختارت لنفسها ، ولكنها اختارت لهواها ، ولو اختارت لنفسها حقاً لوفقت وأصابت ، ولكنها اختارت لهواها ، فأوكلت إلى الهوى ، يتحكم بها أنى يشاء.
وما كان لعلي عليهالسلام أن يقابل عمر بشيء من العصيان ، ولا يجدر به أن يشاركه بشيء من الحطام ، ولا كان مما يناسبه أن يشعره بشيء من المنافسة ، فهو أكبر من ذلك ، وكان الخليق به وبمقامه الرفيع ما صنعه من محايدة ومجاملة ومعاونة ، وما أبداه من ائتمان عند الاستشارة ، والصراحة عند السؤال ، والتجاوب المطلق لادارة الصالح من الشؤون ، فكان دوره في عصره دور الناصح الشفيق ، والمفتي الفقيه ، والقاضي العادل ، والمستشار المؤتمن فيما ستلمسه قريباً.