إليه ، ولو نظروا لما عدته القيادة إلى سواه ، ولكن هذا هو منطق الحق ، والحق شديد لا تسيغه الذائقة السياسية ، ولا يقره منطق الأثرة والإستبداد.
وليت ما حدث يكتفى به وحده ، بل تعداه إلى ما هو أدهى وأمر ، وأشق عنتاً ، وأمض عسراً ، فلم تطلق لعلي حريته ، يتصرف أنى شاء ، ويتحرك كما يريد ، بل فرضت عليه الإقامة الجبرية في المدينة لا يتجاوز رحابها ، ولا يتعدى حدودها ، كما فرضت على سواه من شيوخ المهاجرين والأنصار ، فما برحوا مدينة الرسول ، ولا تخطوا جدرانها عسى أن يطمع أحد بهم ، أو يرغب بهم راغب ، فهم أهل السابقة ، وهم أهل الطموح فيما أوصى به ابو بكر عمر :
« احذر هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله ، الذين انتفخت أوداجهم وطمحت أبصارهم » فكان المنفذ الصارم ، والقائم الرادع ، والآخذ بالحجز والحلاقيم إذ يقول :
« إني قائم دون شعب الحرة ، آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار ». فاستماحه بعض المهاجرين والأنصار الجهاد في سبيل الله ، والإنسلال إلى الثغور ، وقد كثرت الفتوح ، وتدافعت البعوث ، إيذاناً بنصر الله وفتحه ، فقال جوابه التقليدي الرتيب لمن أراد ذلك : « أقعد ... قد كان في غزوك مع رسول الله ما يبلغك ، وخيرٌ لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك ».
فكان الحجز المدني مواكباً للحجر العسكري ، وكلاهما سلاحان نافذان في صد طماح القوم في التحرر من الإقامة في المدينة ، والإبقاء عليهم تحت السيطرة الفعلية ، فكان لهم بالمخنق ـ كما يقال ـ ووقف بالمرصاد.