ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تولي هذا الأمر إلا قريشاً ، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدّلٌ بباطل ، أو متورّط في هلكة.
وكان عمر ـ كأبي بكر من ذي قبل ـ في ردّه هذا يرد أن يشرح بني هاشم للأمر ، فهو يحتج على الأنصار بما يصح أن يحتج به بنو هاشم على قريش.
ولا يدع ابو بكر الفرصة تضيع ، فيعلن في مرحلة أخيرة :
« منا الأمراء ومنكم الوزراء ».
فثار الحباب بن المنذر مرة أخرى وقال : « لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من الأمر ، فإن أبوا فأجلوهم عن بلادكم ، وولوا عليكم وعليهم من أردتم ، أما والله إن شئتم لنعيدنها جذعة؛ أنا جذيلها المحكك وغديقها المرجّب ».
فقال عمر: إذن يقتلك الله. قال الحباب : بل ايّاك يقتل. فتفاقم الأمر ، وتداركه أبو عبيدة قائلاً:
« يا معشر الأنصار : كنتم أول من نصر وازار ، فلاتكونوا أول من بدّل وغيّر ».
وكأن النفوس قد هدأت بهذا الخطاب السمح ، فبادرها بشير بن سعد الأنصاري ، وهو من الخزرج ، وكان ينفس على ابن عمه الأمارة : فقال :
ألا أن محمداً من قريش ، وأن قومه أحقُّ به وأولى ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم في هذا الأمر أبداً ».