من ما لا دليل عليه يوجب الركون إليه ، وكيف لا والاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك كما لا يخفى على المنصف ، ومع ذلك فإنه لا ينحصر الجمع بين الأخبار في ما ذكروه بل لا يبعد حمل الروايات المتقدمة على التقية ، حيث إن الوجوب مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد (١) على ما نقله في المعتبر ، وفي صحيحة زرارة وموثقة ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا ما يشير إلى ذلك. والمسألة لذلك لا تخلو من الإشكال.
ولم أر من تنبه لما ذكرناه سوى المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد أن نقل الأخبار الأخيرة ونعم ما قال : في هذه الأخبار ما يشعر بأن الأخبار الأولة إنما وردت للتقية إلا أن صاحب التهذيبين وجماعة من الأصحاب حملوها على الاستحباب. انتهى.
(الثاني) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه هل تتعلق الزكاة بعين مال التجارة أم بالقيمة؟ قولان اختار ثانيهما الشيخ وأتباعه والظاهر أنه هو المشهور قال في المنتهى : قال الشيخ تتعلق بالقيمة وتجب فيها. ونقل الخلاف عن بعض العامة (٢) وهو مشعر بعدم الخلاف عندنا ، والذي يدل عليه اعتبار نصاب النقدين والشريعة السهلة وأصل جواز التصرف بالبيع وغيره في أموال التجارة ، والتعلق بالعين يمنع عن ذلك إلا مع التخمين والضمان كما في الزكاة. انتهى.
وظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة اختيار الأول واستحسنه في المدارك ، والمسألة محل تردد لعدم الوقوف فيها على نص يقتضي المصير إلى أحد القولين. واستحسانه في المدارك لهذا القول مع عدم إقامته دليلا عليه لا أعرف له وجها.
وتظهر فائدة الخلاف في جواز بيع العين على تقدير القول بالوجوب بعد
__________________
(١) المغني ج ٣ ص ٣٠.
(٢) المغني ج ٣ ص ٣١.