تلك هي قالة كلّ من أهل الكتابين مناحرا لواقع الحق في البين (لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) من الحق ولا حق من الجنة ، كما (لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) من الحق ولا حق من الجنة (١) (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) توراة وانجيلا ، القائلان قول الحق ، وأنه الايمان والعمل الصالح ، دون طائفية قاحلة وعنصرية جاهلة «كذلك» البعيد عن ميزان الحق (قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وهم الأميون الذين لا يعلمون الكتاب إلّا أماني وإن هم إلّا يظنون ، والمشركون الناكرون لكتاب الوحي قالوا (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) رغم الفرق الفارق بين حكم الكتاب واللّاكتاب ، فهم نزّلوا أنفسهم منزلة الذين لا يعلمون ، تجاهلا بحق الكتاب لأهل الكتاب ، أن ليسوا سواء مع من لا يدين بكتاب (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أيا كان مما حكم به الكتاب وحيا أم حرفوه عن جهات أشراعه.
فحين يتقاذف اهل الكتاب فيما بينهم ـ وهم يتلون الكتاب ـ كيف يرجى من الذين لا يعلمون ألّا يقذفوهم أنهم ـ ككل ـ ليسوا على شيء؟ وقد قذفوا كل أهل الكتاب ـ بمن فيهم المسلمون ـ انهم ليسوا على شيء!.
فليوحد اهل الكتاب كلمتهم على حق لهم أم حقايق ، كيلا يرفضهم المشركون بما يتقاذفون فهم سواء : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٣ : ٦٤) ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٤ : ٧ روي ان وفد نجران لما قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى (عليه السلام) والإنجيل ، وقالت النصارى لهم نحوه وكفروا بموسى والتوراة.