إلّا انهم من ذريته؟ وذلك بعيد عن مقام الخليل أمام ربه الجليل ، وقد ابتلي هو نفسه بكلمات ، فكيف يدعو لذريته دون ابتلاء!.
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ليست لتتعلق ـ فقط ـ ب (إِنِّي جاعِلُكَ ...) بل وقبلها ب (ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) إذا فلدعاءه بعدان اثنان ، أن يبتلي ربه من ذريته ـ كما هو ـ بكلمات ، ثم يجعله بإتمامهن إماما ، فأضاف ربه إليهما بعدا ثالثا (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فلا يصلح الظالم أن يبتلي بكلمات تلك الإمامة حتى يجعل إماما.
وترى ابراهيم الخليل (ع) هو بعد كأضرابه من النبيين ، حكمت عليه رغبة امتداد الإمامة في ذريته فسألها لهم ربه؟ ولا وراثة فيها ، ولا تقدم لها فيهم لأنهم ـ فقط ـ ذرية!.
نقول هنا : إضافة إلى أن امتداد الشخصية ـ زمنية او روحية أما هيه؟ ـ هو رغبة فطرية ، أودعها الله في فطرت الإنسان ، تنمية للحياة ، ومضيا في طريقها المرسوم ، وقد قرر الإسلام على أساسه شرعة الميراث وسائر الإختصاص في حقل التربية مادية ومعنوية : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ـ (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) نقول إضافة إلى ذلك إنه استدعاء بشروط ، دونما فوضى جزاف ، ودون سلب لغير ذريته ، ومن ثم فدعاءه ـ كسائر فعله ـ إنما هو بإذن ربه ودعاءه ـ قضية التسليم المطلق لساحة الربوبية وقد عرف وحيا من ربه ان من ذريته من إسماعيل من يأهل لتلك الإمامة.
وكما في دعاءه (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ...) (٢ : ١٢٨) وما البعد الثالث لتحقيق ذلك الدعاء : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) إلّا توضيحا لسائر الأجيال في هذه الإذاعة القرآنية العالمية ، وليس تفهيما لإبراهيم ، العارف شروطات تلك الإمامة الكبرى كما لمسها في نفسه.