التزكية فهي رأس الزاوية في محاولات الرسالة ، فلو أمكنت التزكية دون تعليم لما كان ضرورة ، وهما صنوان متعاملان ، كلما ازداد التعليم المعرفة ازدادت التزكية ، وكلما ازدادت التزكية ازداد العلم والمعرفة ف «العلم نور يقذفه الله في قلب من يريد ان يهديه».
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ١٣٠.
(مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) هي توحيد الإسلام وإسلام التوحيد لوجه الله ، ولا يرغب عنها إلّا من سفه نفسه : حملا لها على خفة العقل والإدراك ، فالنفس الانسانية فطريا وعقليا راغب الى هذه الملة المسلمة الحنيفة ، فلا يرغب عنها إلى سواها إلّا من حمل نفسه على التنازل عن ذاتيتها ، استخفافا بها وتغرّبا عنها.
(وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) بقمة الاصطفاء فانه من أصفى الأصفياء (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) كما تطلّبه يوم الدنيا (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) وسعى له سعيه ، ومتى اصطفيناه في الدنيا؟ :
(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ١٣١.
وعلّه إسلامه بفعله لما أمر به قبل إسلامه المطلوب من ربه حين دعا (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ ...).
فهناك إسلام قضية كمال الإيمان ، وهنا إسلام قضية الأمر الخاص ، وعلّه لأمر خاص كما (أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) ثم إسلام بعدهما تطلّباه إذ يرفعان القواعد من البيت ، وقد يجمع مراتب الإسلام حديث قدسي يذكر عيشا أهنى وحياة أبقى (١).
__________________
(١) في البحار عن ارشاد الديلمي قال الله سبحانه يا أحمد هل تدري اي عيش اهنى وأي حيوة أبقى؟