المسلمين (ما كَسَبْتُمْ ...) أمم ثلاث لكلّ ما كسبت وعليها ما اكتسبت. وليست الإمة في ميزان الله أمة الجنس والإقليم والعنصر والتراب والدم ، فإنها موازين لحيونة الأمم ، أم وإنسانيتها المنفصلة عن شرعة الله ، وإنما هي جماعة ذات قصد واحد : خيرا أو شرا ، مهما اختلفت أجناسهم وأواصر الأنساب والقرابات فيما بينهم.
أجل ـ إنها أمة دينية وليست أمة طينية ، وعلى هذا القياس فالكتلة الموحدة المسلمة من آل إبراهيم (أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ) ثم الكتلة الكافرة من آل إبراهيم أمة (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) وكذلك المسلمون ، من آمن منهم حق الإيمان ومن لم يؤمن ، فلكلّ حساب حسب الصالحات والصالحات ، دونما فوضى جزاف بحساب القوميات والعنصريات أم سائر الصّلات غير الروحية.
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٣٥).
قالت اليهود : «كونوا هودا تهتدوا» وقالت النصارى : «كونوا نصارى تهتدوا» (١) فكلّ يتمسّك بطائفية خاوية عن (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) فمجرد كونك من أولاء أم هؤلاء يكفيك هدى! «قل» لا هذا ولا ذاك (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) لا نسل إبراهيم كإبراهيم ـ إسرائيل وسواها ـ وإنما (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هذه هي الهدى دون سواها ، أيا كنت في أصلك ونسلك ، في وصلك وفصلك ، وقد يروى عن رسول الهدى (صلّى الله عليه
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٤٠ عن ابن عباس قال قال عبد الله بن صوريا الأعور للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتدي ، وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله فيهم ...