وآله وسلم) قوله : بعثت بالحنيفية السمحة (١) ، وترى الحنافة لمّا تكفي هدى لأنها الإعراض عما يخالف الحق ، ويقابله الجنف ، فلما ذا ـ إذا ـ (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)؟.
علّه لأنهم تمسكوا بظاهر الحنيفية وانتساب النسب إلى إبراهيم الحنيف ، فلكي يسد عليهم كل ثغرات الجنف تحريفا لمعنى الحنف يصرّح (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقسم من الهود والنصارى مشركون.
ولقد وصف «حنيفا» وصف إيضاح ب «مسلما» في أخرى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣ : ٦٧) مما يلمح أنهم كانوا يتذرعون بصيغة «حنيفا» لإلصاق أنفسهم إلى إبراهيم ، وكأن «حنيفا» لقب يلقب به نسل إبراهيم أيّا كانوا ، فجاء (مُسْلِماً ـ وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كإيضاح يخيّب آمال المشركين الحنفاء الجنفاء!.
فلان الملة الإبراهيمية هي الناصعة بين الغابرين في خالص التوحيد ، المعروفة لدى الخواص والعوام ، لذلك فليعلن بملته الوحيدة الكبرى بين أهل الملل الثلاث وسواهم من الموحدين ـ رفضا لكل الفواصل المختلقة ـ من لدن إبراهيم إلى موسى والمسيح وإلى خاتم النبيين (صلّى الله عليه وآله وسلم) :
(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (١٣٦).
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٤٠ ـ أخرج احمد عن أبي امامة قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): ، وفيه عن ابن عباس قال قيل يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أي الأديان أحب إلى الله؟ قال : الحنيفية السمحة ، وعن سعد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : أحب الدين إلى الله.