توهب له هذه البقرة بعينها جزاء بما كسب ، والضفتان تتلاقيان في هذه الوهبة الأبوية بوهبة ربانية تجعله من أغنى الأغنياء في بني إسرائيل ، كما وان ضرب المقتول ببعضها شهادة معلنة أنه يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير.
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٧٢ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ٧٣.
هنا «نفسا» و «بقرة» هما مؤنثان ، فكيف تختص إحداهما بذكورة الضمير (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها)؟
علّ تذكير الضمير الراجع إلى «نفسا» باعتبار أنها القتيل ، وليوضّح أنه المضروب ببعض البقرة وليست هي المضروبة به ، ولا سبيل لذلك الإيضاح إلّا تذكير ضمير «نفسا» القتيل.
وهنا عرض لمادة القصة الأصيلة وهي واقع إحياء الموتى ، ففي (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) نموذج منه يدل على إمكانية وواقع إحياء الموتى بالأولى ، فإذا يحيى ميت بضرب ميت آخر به ، فلئن يحيى بإرجاع الروح إليه أحرى وأولى.
أنتم (قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) كلّ يدرؤه عن نفسه ويلقيه على آخر (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (١) بهذه الخارقة البارعة أن تضربوه ببعضها «كذلك» البعيد في قياسكم ، القريب القريب في قياس الله (يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى)
__________________
(١) ١ : ٧٨ ـ اخرج احمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو ان رجلا عمل عملا في صخرة صماء لا باب فيها ولا كوة خرج عمله الى الناس كائنا ما كان ، وفيه اخرج البيهقي من وجه آخر عن عثمان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من كانت له سريرة صالحة او سيئة اظهر الله عليه منها رداء يعرف به.