الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) ١٤٤.
لقد بلغت محنة الامتحان في قبلة القدس لحدّ يتقلب وجه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في السماء ، نظرة الأمر بتحول القبلة الممتحن بها إلى القبلة الأصيلة التي يرضاها ، فمهما يرضى كلما يرضاها الله من قبلة ، ولكن الكعبة المباركة هي أوّل بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، وهي مثابة للناس وقيام ، فهذه جهة من رضاه بها ، وأخرى هي انتهاء أمد الابتلاء بقبلة القدس ، وثالثة ان اليهود يحتجون عليه وعلى المسلمين بهذه القبلة ، إذا ف «ترضاها» لا تعني إلّا مرضات الله ، إذ (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٧٦ : ٣٠) كما ولا تعني سخطه لقبلة القدس ، فإنما هو سخط لاستمرارية الحجة اليهودية على المسلمين ، زعزعة في إيمانهم ، وزحزحة عن إيقانهم وكما قال الله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ...) ثم «التقلب» دون «التقليب» تلمح أنه ما كان يقلّب وجهه ، وإنما يتقلب وجهه أتوماتيكيّا في السماء كما كانت تقتضيه الحالة الرسالية الأخيرة ، الناظرة للقبلة الأصيلة ... ثم (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) هي ثالثة التأشيرات لكون القبلة المكية هي الكعبة المباركة ، إذ كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبها منذ عرف نفسه ومنذ أرسل ، فهل كان يتقلب وجهه في السماء طيلة العهد المكي إضافة الى ردح من المدني : أربعة عشر سنة؟ وصيغته الصالحة «تقلبات وجهك» تدليلا على التكرار والاستمرار ، دون (تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) اللّامح إلى مرة يتيمة جديدة جادّة ، عرف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها أن الامتحان حاصل ، وأمر التحويل الى المسجد الحرام على الأشراف ، ولكنه لم يتفوه بدعائه واستدعائه لذلك التحول ، فإنما إشارة الانتظار بتقلب وجهه في سماء الوحي نظرة نزول رسول الوحي حاملا تحويل