القدس هو القبلة منذ بزوغ الإسلام إلى أشهر في المدينة ، خلقا لجوّ الحجة على المؤمنين من قبل المشركين (١) والكتابيين ، وصدا عن دخول العرب ـ الهائمين الى الكعبة المباركة ـ في هذا الدين؟! فابتلائية قبلة القدس ـ بما تخلّف حجة على المسلمين ـ وعلى رسول الإسلام أيضا إذ هم عارفون من كتبهم ان قبلة هذا الرسول هي الكعبة المباركة ، فلما صلى ـ لفترة ـ الى القدس أخذوا يحتجون عليه انه ليس هو الرسول الموعود! ـ هذه الابتلائية غير صالحة إلّا لقضاء الابتلاء ، وظرفه الصالح هو بداية العهد المدني ، بلورة لصالح المؤمنين عن طالحهم ، وما إضافة العهد المكي إلى أشهر الابتلاء المدني ، إلّا زيادة لحجة اليهود ، إضافة الى حجة العرب في رفضهم لهذا الدين.
و «الناس» هنا كما الناس في (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) هم السفهاء من الناس ، مشركين وكتابيين ، فان كلّا كان يحتج على الرسول والمسلمين «ما ولاهم ...».
وهنا (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) استثناء لجماعة خصوص منهم استمرارا لحجتهم على المسلمين (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) فان حجتهم داحضة عند ربهم ، وذابلة بعد تحوّل القبلة إلى الكعبة المباركة. ثم وفي ذلك التحويل إضافة الى سلبية حجتهم إيجابية إتمام النعمة والاهتداء.
(وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فقبلة الكعبة إتمام للنعمة ،
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٤٨ ـ اخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا لما صرف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) نحو الكعبة بعد صلاته الى بيت المقدس قال المشركون من اهل مكة تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم انكم أهدى منه سبيلا ويوشك أن يدخل في دينكم فانزل الله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ).